بن شمس الدين الذي كان هو الاخر يسعى إلى الاطاحة بالسيطرة العثمانية في اليمن. وهكذا ففي نفس الوقت الذي قام به المطهر في ١٥٦٧م بانتفاضته ضد العثمانيين في الساحل الغربي لشبه جزيرة العرب قام عليان عكله بانتفاضة عربية جديدة في جنوب العراق قمعها في هذه المرة والي بغداد بعد ان بذل جهوداً كبيرة وبعد ان خاض ضد الثوار صراعاً دموياً عنيفاً.
ولم تستطع السلطات العثمانية على الرغم من هذه التدابير الصارمة ان تقضي على الحركة العربية في العراق نهائياً. فلقد هدأت هذه الحركة تحت وطأة القمع موقتاً لكي تشتعل بقوة اكبر عند اول فرصة مؤاتية. ومع ذلك ينبغي ان نلاحظ ان الانتفاظات العربية في العراق لم تكن عنيفة ولم تستغرق وقتلاً طويلاً في عهد السلطان سليمان الذي يسميه الاوربيون «الفخم» ويطلق عليه الاتراك لقب «المشرع» (١) وفي عهد السلطانين اللذين اعقباه وهما سليم الثاني (١٥٦٦ ـ ١٥٧٤) م ومراد الثالث (١٥٧٤ ـ ١٥٩٥ م) أي في الفترة التي كانت فيها الامبراطورية العثمانية في اوج مجدها وقوتها وذلك لان الحكومة العثمانية التي لم تكن قد انشغلت بعد بمعالجة الفوضى الداخلية - كانت تستطيع ان تخمدها بشكل فعال وفي الوقت المناسب. لكن الصورة تغيرت تماماً في عهد السلاطين الذين حكموا بعد ذلك ابتداء من محمد الثالث الذي اعقب مراداً. فقد بدأت في عهده فترة من الفوضى والاضطرابات الداخلية استمرت نصف قرن كانت فترة الهدوء النسبي القصيرة التي حلت خلالها في العاصمة وفي الاقاليم الاسيوية تعتبر
__________________
(١) انظر هامشنا في الصفحة ١٨٨ من الجزء الاول من هذا الكتاب. (المترجم) ويطلق عليه الكتاب الغرب لقب القانوني (حمد الدراجي).