قال أبو عبيد : يقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع : احمل وزرك ووزرتك واشتقاقه من الوزر الذي يعتصم به ولهذا قيل : وزر لأنّه كأنّه الذي يعتصم به الملك أو النبي ومنه قوله تعالى (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) (١) (عَلى ظُهُورِهِمْ).
قال السدي وعمرو بن قيس الملائي : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيب ريحا ، يقول : هل تعرفني؟ يقول : لا ، إلّا أن الله عزوجل قد طيب ريحك وحسّن صورتك ، فيقول : كذلك كتب في الدنيا أنا عملك الصالح طال ما ركبتك في الدنيا فاركبني اليوم أنت.
وقرأ يوم يحشر المتقين إلى الرحمن وفدا أي ركبانا ، فإن الكافر تستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا فيقول : هل تعرفني؟ فيقول : لا إلّا أن الله عزوجل قد قبح صورتك وأنتن ريحك ، فيقول : لما كان عملك في الدنيا ، أنا عملك السيء طالما ركبتني في المساء فأنا أركبك اليوم وذلك قوله (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ).
قال الزجاج : لا يزر إليهم أوزارهم ، كما يقول الضحّاك :
نصب عيني وذكرك محيي قلبي
(أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) أي يحملون ويعملون (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) باطل وغرور لا يبقى ، وهذا تكذيب من الله للكفار في قولهم (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) الآية (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) قرأتها العامة رفعا على نعت الواو ، وإضافة أهل الشام لاختلاف اللفظين كقوله : ربيع الأول ، ومسجد الجامع (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (٢) سميت الدنيا لدنوّها ، وقيل : لدناءتها وسميت الآخرة لأنها بعد الدنيا (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) من الشرك (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي الآخرة أفضل من الدنيا (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) الآية.
قال السدي : التقى الأخفش بن شريق وأبو جهل بن هشام فقال الأخفش لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب ، فإنه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيري؟ فقال له أبو جهل : والله إن محمدا لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية.
وقال أبو يزيد المدني : لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا جهل فصافحه فلقيه بعض شياطينه فقال له : يأتيك تصافحه؟ قال : والله إني أعلم إنه لصادق ولكنا متى كنا تبعا لعبد مناف ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية.
__________________
(١) سورة طه : ٢٩ / ٣٠.
(٢) سورة ق : ٩.