«الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام» [١٣٨] (١).
وقال الكلبي : لما نزلت هذه الآية (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) جاء عمر رضياللهعنه للنبي صلىاللهعليهوسلم فاعتذر إليه من مقالته واستغفر الله تعالى منها ، وقال : يا رسول الله ما أردت بهذا إلّا الخير فنزل في عمر رضياللهعنه (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) الآية.
وقال عطاء : نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم وأبي عبيدة وصهيب بن عمير وعمر وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر ، والأرقم بن الأرقم وأبي سلمة بن الأسد رضياللهعنهم أجمعين.
وقال أنس بن مالك رضياللهعنه عنه : أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجال فقالوا : إنا أصبنا ذنوبنا كثيرة عظيمة فسكت عنهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله على الرجال (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) قال مجاهد : لا يعلم حلالا من حرام ومن جهالته ربك الأمر وكل من عمل خطيئة فهو بها جاهل ، وقيل : جاهل بما يورثه ذلك الذنب ، يقال : جهل حين آثر المعصية على الطاعة (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ) فرجع عن دينه (وَأَصْلَحَ) عمله ، وقيل : أخلص توبته (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) واختلف القراء في قوله تعالى (أَنَّهُ) [الكوفيون] بفتح الألف منهما جميعا. ابن كثير والأعمش وابن عمر وحمزة والكسائي على الاستئناف ، ونصبها الحسن وعاصم ويعقوب بدلا من رحمة ، وفتح أهل المدينة الأولى على معنى وكتب إنّه وكسروا الثانية على الاستئناف لأن ما بعدها لا يخبر أبدا (وَكَذلِكَ) أي هكذا ، وقيل : معناه وفصلنا لك في هذه السورة والآية.
وجاء في أعلى المشروح في المنكرين من كذلك (نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي نميز ونبين لك حجتنا وأدلتنا في كل من ينكر أهل الباطل (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) مرّ رفع السبيل ومعناه وليظهر وليتضح طريق المجرمين. يقال بان الشيء وأبان وتبيان وتبين إذا ظهر ووضح والسبيل يذكر ويؤنث ، فتميم تذكر ، وأهل الحجاز يؤنثه ، ودليل المذكر قوله عزوجل (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) ودليل التأنيث قوله تعالى (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً) وقوله عزوجل (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) ولذلك قرأ (وَلِتَسْتَبِينَ) بالياء والتاء ، وقرأ أهل المدينة (وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء ، سَبِيلَ بالنصب على خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم معناه (وَلِتَسْتَبِينَ) يا محمد سبيلَ المجرمين ، يقال واستبين الشيء وتبينته إذا عرفته (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) في عبادة الأوثان وطرد بلال وسلمان (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) يعني إن فعلت ذلك فقد تركت سبيل الحق وسلكت غير الهدى.
__________________
(١) أسباب النزول للواحدي : ١٤٧.