(إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي العالمين الذين أحسنوا ، قال الفرّاء وقال ابن إسحاق : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) إلينا إن فعلت ذلك وفسّرت رؤيانا ، كما يقال : افعل كذا وأنت محسن.
وروى سلمة بن نبط عن الضحّاك بن مزاحم في قوله : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ما كان إحسانه؟ قال كان إذا مرض رجل في السجن قام إليه ، وإذا ضاق وسع له ، وإن احتاج جمع له ، وسأل له.
قتادة : بلغنا أنّ إحسانه كان يداوي مريضهم ، ويعزّي حزينهم ، ويجتهد لربّه.
وقيل : لمّا انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم واشتدّ بلاؤهم وطال حزنهم فجعل يقول : أبشروا واصبروا تؤجروا ، وإنّ لهذا لأجرا وثوابا ، فقالوا له : يا فتى بارك الله فيك ، ما أحسن وجهك وأحسن خلقك وأحسن حديثك! لقد بورك لنا في جوارك بالحبس ، إنّا كنا في غير هذا منذ حبسنا لما تخبرنا به من الأجر والكفارة والطهارة ، فمن أنت يا فتى؟ قال : أنا يوسف بن صفي الله يعقوب بن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله ، فقال له عامل السجن : يا فتى والله لو استطعت لخلّيت سبيلك ، ولكن ما أحسن جوارك وأحسن أخبارك! فكن في أي بيوت السجن شئت.
فكره يوسف عليهالسلام أن يعبر لهما ما سألاه لما علم في ذلك من المكروه على أحدهما ، فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره ، قال لهما : (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) في نومكما (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) في اليقظة.
هذا قول أكثر المفسّرين ، وقال بعضهم : أراد به في اليقظة فقال : (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) تطعمانه وتأكلانه (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) بتفسيرة قال : إنّه أيّ طعام أكلتم ومتى أكلتم وكم أكلتم ، فقالا له : هذا من فعل العرّافين والكهنة ، فقال لهما عليهالسلام : ما أنا بكاهن وإنّما (ذلِكُما) العلم (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) كرّرهم على التأكيد. وقيل : هم الأوّل جماد كقوله تعالى : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) (١) فصارت الأولى الملغاة والثانية ابتداء ، وكافرون خبره.
(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي) فتح ياءه قوم وسكّنها آخرون ، [فما وفي] أمثالها فالجزم على الأصل والفتح على موافقة الألف استقلّته لأنّها أخت الفتحة وقرأها الأعمش آباي إبراهيم دعاي إلّا فرارا مقصورا غير مهموز وفتح ياءهما مثل [...].
(إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا) ما ينبغي (أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) من صلة ، تقديره : أن نشرك بالله شيئا.
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٣٥.