(ذلِكَ) التوحيد والعلم (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) فأراهما يوسف فطنته وعلمه ثمّ دعاهما إلى الإسلام ، فأقبل عليهما وعلى أهل السجن وكان بين أيديهم أصناما يعبدونها فقال إلزاما للحجّة (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) جعلهما صاحبي السجن لكونهما فيه كقوله تعالى لسكّان الجنّة (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (١) ولسكّان النار : (أَصْحابَ النَّارِ) (٢).
(أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ) آلهة شتى لا تنفع ولا تضرّ (خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ) الذي لا ثاني له (الْقَهَّارُ) قد قهر كلّ شيء ، نظيرها ، قوله : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣) ثمّ بين الحجر والأصنام وضعفها فقال : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ) أي ممّن دون الله ، وإنّما قال (ما تَعْبُدُونَ) وقد ابتدأ الكلام بخطاب الإثنين لأنّه قصد به جميع من هو على مثل حالهما من الشرك ، (إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها) وذلك تسميتهم أوثانهم آلهة وأربابا من غير أن تكون تلك التسمية حقيقة ، (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) حجّة وبرهان (إِنِ الْحُكْمُ) القضاء والأمر والنهي ، (إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) نظيره (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، (ذلِكَ) الذي دعوتكم إليه من التوحيد وترك الشرك ، (الدِّينُ الْقَيِّمُ) المستقيم ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
ثمّ فسّر رؤياهما فقال : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) وهو الساقي ، (فَيَسْقِي رَبَّهُ) سيّده يعني الملك (خَمْراً) وأمّا العناقيد الثلاثة التي رآها فإنّها ثلاثة أيّام ، يبقى في السجن ثمّ يخرجه الملك ويكون على ما كان عليه ، (وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ) وأمّا السلال الثلاث التي رآها فإنّها ثلاثة أيّام ، يبقى في السجن ثمّ يخرجه الملك [في] اليوم الرابع فيصلبه ، (فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ).
قال ابن مسعود : لمّا سمعا قول يوسف قالا : ما رأينا شيئا إنّما كنا نلعب ، فقال يوسف عليهالسلام : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) أي فرغ من الأمر الذي عنه تسألان ، ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به.
معلّى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين العقيلي قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبّرت وقعت ، وإنّ الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة ، فأحسبه قال : لا تقصّه إلّا على ذي رأي» [١١٧] (٤).
وأخبرنا عبد الله بن حامد عن إسماعيل بن محمد عن الحسن بن علي بن عفان عن ابن نمير
__________________
(١) سورة الأعراف : ٤٤.
(٢) سورة الأعراف : ٤٤.
(٣) سورة النمل : ٥٩.
(٤) مسند أحمد : ٤ / ١٠.