قال : أما قولك : كنتم ضلالا فهداكم الله بي ، فكنّا كذلك ، وأما قولك : كنتم أذلّة فأعزّكم الله فقد علمت العرب أنه ما كان حي من أحياء العرب أمنع لما وراء ظهورهم منّا. فقال عمر : يا سعيد أتدري من تكلّم؟ قال : يا عمر أكلّم رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لو سلكت الأنصار واديا لسلكت واد الأنصار ، ولو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، الأنصار كرشي وعيبتي فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ، ثم قال : يا معشر الأنصار أما ترضون أن ينقلب الناس بالإبل والشاة وتنقلبون برسول الله إلى بيوتكم» [٥].
فقالت الأنصار : رضينا بالله ورسوله ، والله ما قلنا ذلك الا ضنّا بالله ورسوله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم (١).
فلما قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة قام خطيبا فقال : أما إنّ خطيب الأنصار قد قال : كنت طريدا فآويناك ، وكنت خائفا فأمّنّاك ، وكنت مخذولا فنصرناك ، وكنت وكنت ، فإنّه قد صدق ، فبكت الأنصار ، وقالت بل الله ورسوله أعظم علينا منّا.
قال قتادة : وذكر لنا أن ظئر النبي صلىاللهعليهوسلم التي أرضعته من بني سعد أتته يوم حنين وسألته سبايا يوم حنين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إني لا أملكهم إنّما لي نصيبي منهم ، ولكن ائتني غدا فسليني والناس عندي ، فإني إذا أعطيتك نصيبي أعطاك الناس ، فجاءت في الغد فبسط لها ثوبه فقعدت عليه ثم سألته ذلك فأعطاها نصيبه ، فلما رأى الناس منه أعطوها أنصباءهم (٢).
قال الزهري : أخبرني سعيد بن المسيب أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف سبي ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر مناديا ينادي يوم أوطاس : ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ، ولا غير الحبالى حتى يستبرئن بحيضة.
ثم [....] (٣) من هوازن أقبلوا مسلمين بعد ذلك فقالوا : يا رسول الله أنت خير الناس وأبرّهم وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : إن عندي من ترون ، وخير القول أصدقه ، اختاروا إمّا ذراريكم ونساءكم ، وإمّا أموالكم ، فقالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئا ، فقام النبي منتصبا فقال : إن هؤلاء قد جاءوني مسلمين (٤) ، وإنا خيّرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئا ، فأمّا ما أصاب بنو هاشم رددناه إليهم ، فمن كان بيده منهم شيء وطابت نفسه أن يردّه عليهم فذلك ، ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه ، ومن لم يرد ففديته خمسون من الإبل.
__________________
(١) بطوله في تفسير الطبري : ١٠ / ١٣٠.
(٢) تفسير الطبري : ١٠ / ١٣٠.
(٣) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٤) في المصنّف لعبد الرزاق : ٥ / ٣٨١ : مستسلمين.