معنى النجس والسبب الذي من أجله سمّاهم بذلك ، فروي عن ابن عباس : ما المشركون إلا رجس خنزير أو كلب ، وهذا قول غير مرضي لمعنيين أحدهما أنه روي عنه من وجه غير حميد فلا يصح عنه ، والآخر أن هذه نجاسة الحكم لا نجاسة العين ؛ لأن أعيانهم لو كانت نجسة كالكلب والخنزير لما طهرهم الإسلام ، ولا يستوي في النهي عن دخول المشركين المسجد الحرام وغيره من المساجد ، واحتج من قال أعيانهم نجسة بما روي أن عمر بن عبد العزيز كتب أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين ، وأتبع نهيه بقول الله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ).
وكما روي عن الحسن أنه قال : لا تصافحوا المشركين. فمن صافحهم فليتوضّأ ، وقال قتادة : سمّاهم نجسا لأنهم يجنبون ولا يغتسلون ، ويحدثون ولا يتوضؤون ، فمنعوا من دخول المسجد لأن الجنب لا ينبغي أن يدخل المسجد.
وقال الحسين بن الفضل : هذه نجاسة الحكم لا نجاسة العين فسموا نجسا على الذّم ، يدلّ عليها ما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لقى حذيفة فأخذ صلىاللهعليهوسلم بيده ، فقال حذيفة : يا رسول الله إنّي جنب ، فقال : «إن المؤمن لا ينجس» [٦].
(فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) قال أهل المعاني : أراد بهذا منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا المسجد الحرام ، قال عطاء الحرم كلّه قبلة ومسجد (١) وتلا هذه الآية.
جابر عن عبد الله عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا يدخل الحرم إلا أهل الجزية أو عبد لرجل من المسلمين ، ونساؤهم حل لكم ، وقرأ : (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) يعني العام الذي حج فيه أبو بكر رضياللهعنه عنه بالناس ، ونادى علي كرم الله وجهه ببراءة وهو سنة تسع في الهجرة (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) الآية.
قال المفسرون : وكان المشركون يجلبون إلى البيت الطعام ويتّجرون ويتبايعون ، فلمّا منعوا من دخول الحرم شقّ ذلك على المسلمين ، والقى الشيطان في قلوبهم الخوف وقال لهم : من أين تأكلون وتعيشون وقد بقي المشركون وانقطعت عنهم العير.
فقال المؤمنون : يا رسول الله قد كنّا نصيب من تجارتهم وبياعاتهم فالآن تنقطع عنّا الأسواق ويملك التجارة ، ويذهب ما كنّا نصيب منها من المرافق ، فأنزل الله عزوجل (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً).
وقال عمرو بن فائد : معناه وإذا خفتم ؛ لأن القوم كانوا قد خافوا ، وذلك هو قول القائل : إن كنت أبي فأكرمني يعني [إن خفت] عيلة فقرا وفاقة. يقال عال يعيل عيلة وعيولا. قال الشاعر :
__________________
(١) تفسير الطبري : ١٠ / ١٣٦ ، وتفسير القرطبي : ٨ / ١٠٥.