(فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) ونجّينا موسى وقومه (وَقُلْنا) لهم (مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد هلاك فرعون وقومه (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) يعني مصر والشام (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) وهي الساعة (جِئْنا بِكُمْ) من قبوركم الى موقف القيامة (لَفِيفاً) مختلطين وقد التفّ بعضكم ببعض لا تتعارفون ولا ينحاز [أحدكم] إلى قبيلته وحيّه ، وهو من قول الجيوش إذا اختلطوا ، وكل شيء اختلط بشيء تعطّف به والتفّ.
وقال مجاهد والضحاك : (لَفِيفاً) أي جميعا ، ووحّد اللفيف وهو خبر عن الجمع لأنه بمعنى المصدر كقول القائل : لففته لفا ولفيفا.
وقال الكلبي (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) يعني مجيء عيسى ابن مريم من السماء (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) وقال البزّار : من هاهنا وهاهنا ، يقول : جميعا.
وهذه القصة تعزية لنبيّنا صلىاللهعليهوسلم وتقوية لقلبه ، يقول الله تعالى : كما أنزلت عليك القرآن فكذبك كفار قومك من مكة كذلك آتيت موسى التوراة فكذبه فرعون وقومه ، وكما أراد أهل مكة أن يستفزّوك منها ، كذلك أراد فرعون أن يستفزّ موسى وبني إسرائيل من مصر ، فأنجيناهم منهم وأظفرتهم عليهم ، وكذلك أظفرتك على أعدائك ، وأتمّ نعمتي عليك وعلى من اتّبعك نصرة للدين (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) ، فأنجز الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وله الحمد والمنّة.
(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) يعني القرآن (وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمد (إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) أي وأنزلناه قرآنا ففصّلناه.
قرأ ابن عباس : فرّقناه بالتشديد وقال : لأنه لم ينزل مرة واحدة وانما أنزل [نجوما] في عشرين سنة ، وتصديقه قراءة أبي بن كعب وقرآنا فرّقناه عليك ، وقرأ الباقون بالتخفيف كقوله (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).
قال ابن عباس فصّلناه ، قال الحسن : فرّق الله به بين الحق والباطل ، وقرأ الآخرون : بيّناه.
(لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) أي تؤدة ومهل في ثلاث وعشرين سنة (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً. قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) أمر وعد وتهديد (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل نزول القرآن وخروج محمد صلىاللهعليهوسلم وهم مؤمنو أهل الكتاب (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) يعني القرآن (يَخِرُّونَ) يسقطون (لِلْأَذْقانِ) على الأذقان وهي جمع الذقن وهو مجتمع اللحيين ، قال ابن عباس أراد الوجوه (سُجَّداً. وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) قال مجاهد : هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم خرّوا سجدا وقالوا (سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ) أي وقد كان (وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ) نزول القرآن (خُشُوعاً) وخضوعا وتواضعا لربّهم.