قال عبد الأعلى التيمي : من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن لا يكون أوتي علما ينفعه ، وتلا هذه الآية (١) ، نظيرها قوله : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (٢).
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) الآية ، قال ابن عباس : تهجّد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة فجعل يقول في سجوده : يا الله يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون : كان محمد يدعو إلها واحدا فهو الآن يدعوا إلهين اثنين الله والرحمن ، والله ما نعرف الرحمن إلّا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية.
قال ميمون بن مهران : كان النبي صلىاللهعليهوسلم في أول ما أوحي إليه يكتب : باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فكتب : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقال مشركو العرب : هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣).
الضحاك : قال أهل الكتاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إنّك لتقلّ ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم ، فأنزل الله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) الآية (٤).
(أَيًّا ما تَدْعُوا) من هذين الاسمين ومن جميع أسمائه (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [.....] مجازه : أيّا تدعوا ، كقوله : (عَمَّا قَلِيلٍ) (٥) و (جُنْدٌ ما هُنالِكَ).
(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها)
قال ابن عباس : كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن تلا به (٦) كما حكاه القرآن : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) (٧) ربما صفّروا ليغلّطوا النبي صلىاللهعليهوسلم ويخلطوا عليه قراءته فأنزل الله تعالى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) أي في الصلاة فيسمع المشركون فيؤذوك ، و (لا تُخافِتْ بِها) فلا يسمع أصحابك حتى يأخذوا عنك (٨).
وقال سعيد : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يجهر بقراءة القرآن في المسجد الحرام ، فقالت قريش : لا تجهر بالقراءة فتؤذي آلهتنا فنهجو ربك ، وقال مقاتل : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلّي في دار أبي سفيان بن حرب عند الصفا ، يجهر بقرائته فمرّ به أبو جهل فقال : لا تفتر على الله ، فجعل يخفت
__________________
(١) سنن الدارمي : ١ / ٨٨ ، وتفسير الثعالبي : ٤ / ١٥٤.
(٢) سورة مريم ٥٨.
(٣) أسباب النزول للواحدي : ٢٠٠.
(٤) المصدر السابق.
(٥) سورة المؤمنون : ٤٢.
(٦) تفسير الطبري : ١٥ / ٢٣٠ ، وفيه : ومن جاء به.
(٧) سورة فصلت : ٢٦.
(٨) تفسير الطبري : ١٥ / ٢٣٠.