الرعية ، إذا منعهم عن العبث والفساد ، وضرب السّيد على يدي عبده المأذون في التجارة ، إذا منعه عن التصرّف فيها. قال الأسود بن يعفر ، وكان ضريرا :
ومن الحوادث لا أبا لك أنني |
|
ضربت عليّ الأرض بالأسداد (١) |
(سِنِينَ عَدَداً) أي معدودة ، وهو نعت للسنين ، فالعدّ المصدر ، والعدد الاسم المعدود ، كالنقص والنقض والخبط والحبط. وقال أبو عبيدة : هو نصب على المصدر.
(ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) ، يعني من نومهم ؛ (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) ، وذلك حين تنازع المسلمون الأوّلون أصحاب الملك ، والمسلمون الآخرون الذين أسلموا حين أوى أصحاب الكهف في قدر مدّة لبثهم في الكهف ، فقال المسلمون الأولون : مكثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين ، وقال المسلمون الآخرون : بل مكثوا كذا وكذا. فقال الأوّلون : (اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) ، فذلك قوله : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) ، لتعلموا (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) : الفريقين (أَحْصى) : أصوب وأحفظ (لِما لَبِثُوا) في كهفهم نياما ، (أَمَداً) : غاية.
وقال مجاهد : عددا. وفي نصبه وجهان : أحدهما على التفسير والثاني لوقوع (لِما لَبِثُوا) عليه.
(نَحْنُ نَقُصُ) ، أي نقرأ وننزل (عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ) ، أي خبر أصحاب الكهف (بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) : شبان وأحداث (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) ، حكم الله لهم بالفتوّة حين آمنوا بلا واسطة لذلك. وقال أهل اللّسان : رأس الفتوّة الإيمان. وقال الجنيد : الفتوّة كفّ الأذى وبذل الندى ، وترك الشكوى. وقيل : الفتوّة شيئان : اجتناب المحارم ، واستعمال المكارم. وقيل : الفتى من لا يدّعي قبل الفعل ، ولا يزكّي نفسه بعد الفعل. وقيل : ليس الفتى من يصبر على السياط ، إنما الفتى من جاز على الصراط. وقيل : ليس الفتى من يصبر على السكين ، إنما الفتى من يطعم المسكين.
(وَزِدْناهُمْ هُدىً) إيمانا وبصيرة وإيقانا.
(وَرَبَطْنا) : وشددنا (عَلى قُلُوبِهِمْ) بالصبر ، وألهمناهم ذلك ، وقوّيناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش ، وفرّوا بدينهم إلى الكهف ، (إِذْ قامُوا) بين يدي دقيانوس (فَقالُوا) حين عاتبهم على تركهم عبادة الصنم : (رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا) : لن نعبد (مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) ، يعني إن دعونا غير الله ، (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً). قال ابن عباس ومقاتل : جورا. قال قتادة : كذبا. وأصل الشطط والإشطاط : مجاوزة القدر ، والإفراط.
(هؤُلاءِ قَوْمُنَا) ، يعني أهل بلدهم (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) ، أي من دون الله (آلِهَةً) ، يعني
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٥ / ١٠.