الأصنام يعبدونها من دون الله (لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ) أي هلّا يأتون على عبادتهم (بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) : بحجة واضحة ؛ (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) ، فزعم أنّ له شريكا وولدا؟ ثمّ قال بعضهم لبعض : (إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) ، يعني قومكم (وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) ، أي واعتزلتم أصنامهم التي يعبدونها من دون الله. وكذلك هو في مصحف عبد الله : (وما يعبدون من دون الله).
(فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) ، أي صيروا إليه (يَنْشُرْ) ، أي يبسط لكم ويظهر (لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) ، أي رزقا رغدا. والمرفق : ما يرتفق به الإنسان ، وفيه لغتان : مرفق ، ومرفق.
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨) وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢))
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ) ، أي تتزاور ، وقرأ أهل الكوفة بالتخفيف على حذف أحد الزاءين ، وقرأ أهل الشام : تزورّ على وزن تحمرّ ، وكلّها بمعنى واحد ، أي تميل وتعدل عن كهفهم (ذاتَ الْيَمِينِ) ، أي جانب اليمين ، (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ) ، قال ابن عباس : تدعهم. قال مقاتل بن حيان : تجاوزهم. وأصل القرض : القطع. (ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) ، أي متّسع من الكهف ، وجمعها فجوات وفجىّ. أخبرنا الله تعالى بحفظه إيّاهم في مهجعهم ، وعرفنا لطفه بهم في مضجعهم واختياره لهم أصلح المواضع للرقاد فأعلمنا أنّه بوّأهم في مغناة من الكهف مستقبلا بنات نعش ، تميل عنهم الشمس طالعة وغاربة وجارية ؛ لا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرّها وتغيّر ألوانهم وتبلى ثيابهم ، وإنهم في متّسع منه ينالهم فيه برد الريح ونسيمها وتنفي عنهم كربة الغار وغمومه ، (ذلِكَ) الذي ذكرت من أمر الفتية (مِنْ آياتِ اللهِ) :