قال علي بن أبي طالب : علمت أن التقيّ ذو نهية ، وقيل : كان تقي رجل من أعدل الناس في ذلك الزمان فقالت : إن كنت في الصلاح مثل التقي فـ (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ) ، كيف يكون رجل اجنبي وامرأة اجنبية في حجاب واحد؟ قال لها جبرئيل (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ) أي يقول لأهب لك ، وقرأ أبو عمرو ليهب بالياء ولدا (غُلاماً زَكِيًّا) صالحا تقيا (قالَتْ) مريم (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) ولم يقربني روح (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) فاجرة وإنما حذفت الهاء منه لأنه مصروف عن وجهه.
(قالَ) جبرئيل (كَذلِكِ) كما قلت يا مريم ولكن (قالَ رَبُّكِ) وقيل هكذا (قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) خلق ولد من غير أب (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً) علامة هذه (لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا) لمن تبعه على دينه.
(وَكانَ) ذلك (أَمْراً مَقْضِيًّا) معدودا مسطورا في اللوح المحفوظ.
(فَحَمَلَتْهُ) وذلك أن جبرئيل عليهالسلام رفع درعها فنفخ في جيبه فحملت حين لبسته ، وقيل : نفخ جبرئيل من بعيد نفخا فوصل الريح إليها فحملت ، فلمّا حملت (فَانْتَبَذَتْ) خرجت وانفردت (مَكاناً قَصِيًّا) بعيدا من أهلها من وراء الجبل ، ويقال أقصى الدار.
قال الكلبي : قيل لابن عمّ لها يقال له يوسف : إن مريم حملت من الزنا لأن يقتلها الملك وكانت قد سميت له فأتاها فاحتملها ، فهرب بها ، فلما كان ببعض الطريق أراد يوسف ابن عمّها قتلها فأتاه جبرئيل عليهالسلام فقال له : إنّه من روح القدس فلا تقتلها ، فتركها ، ولم يقتلها فكان معها. واختلفوا في مدّة حملها ووقت وضعها ، فقال بعضهم : كان مقدار حملها تسعة أشهر كحمل سائر النساء ، ومنهم من قال : ثمانية أشهر وكان ذلك آية أخرى لأنّه لم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غير عيسى ، وقيل : ستّة أشهر ، وقيل : ثلاث ساعات ، وقيل : ساعة واحدة.
قال ابن عباس : ما هو إلّا أن حملت فوضعت ولم يكن بين الحمل والانتباذ إلّا ساعة : لأنّ الله تعالى لم يذكر بينهما فصلا.
وقال مقاتل بن سليمان : حملته مريم في ساعة وصوّر في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها ، وهي بنت عشر سنين وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى.
(فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) ألجأها وجاء بها المخاض ، وفي قراءة عبد الله آواها المخاض يعني الحمل ، وقيل : الطلق.
(إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) وكانت نخلة يابسة في الصحراء في شدة الشتاء ولم يكن لها سعف.
وروى هلال بن خبّاب عن أبي عبيد الله قال : كان جذعا يابسا قد جيء به ليبنى به بيت يقال له بيت لحم.
(قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة :