ثمّ أتيت بإناءين أحدهما اللبن والآخر خمرة فقيل لي : اشرب أيهما شئت ، فأخذت اللبن فشربته. فقال لي جبرئيل : أصبت الفطرة أنت وأمتك ، أما إنك لو أخذت الخمر لخمرت أمتك من بعدك قال : ثمّ سار رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسار معه جبرئيل فأتى على قوم يزرعون ويحصدون في يوم واحد ، كلما حصدوا عاد كما كان ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : من هؤلاء؟ فقال : هؤلاء المهاجرون في سبيل الله يضاعف لهم الحسنة سبعمائة ضعف ، وما أنفقوا (مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
قال : ثمّ أتى على قوم يرضخ رؤسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيئا. قال : ما هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة.
ثمّ أتى على قوم إقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع فيسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع ، والزقوم قد صف جهنم وحجارتها فقال : ما هؤلاء يا جبرئيل؟
فقال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ ... وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١) ثمّ أتى على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضيج طيب ولحم آخر خبيث ، فجعلوا يأكلون الخبيث ويدعون النضيج الطيب ، قال : ما هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هذا الرجل من يكون عنده المرأة حلالا طيبا فأتى امرأة خبيثة فيبيت معها حتّى يصبح ، فالمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا فتأتي الرجل الخبيث فتبيت معه حتّى تصبح ، ثمّ أتى على [امرأة] في الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء آخر إلا فتّته. فقال : ما هذا يا جبرئيل؟ قال : هذا مثل أمتك يقعدون على الطريق فيقطعون بمثل (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) (٢) الآية ثمّ أتى على رجل جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها فقال : ما هذا يا جبرئيل؟ قال : هذا الرجل من أمتك عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يزيد عليها ، ثمّ أتى على قوم يقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد ، كلما قرضت عادت كما كانت. قال : ما هؤلاء يا جبرئيل؟ قال هؤلاء خطباء الفتنة ، ثمّ أتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع.
قال : ما هذا؟ قال : هذا الرجل من أمتك يتكلم الكلمة العظيمة ثمّ يندم عليها ولا يستطيع أن يردها. قال : ثمّ أتى واد فوجد ريحا طيبة باردة وصوتا. قال : ما هذه الريح الطيبة وما هذا الصوت؟ قال : هذا صوت الجنة ، فقال : ربّ أرني بما وعدتني فقد كثر غرفي واستبرقي وحريري وسندسي وعبقري ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي وفواكهي وعسلي ولبني وخمري ومائي ، فأتني بما وعدتني. فقال : لك كل مؤمن ومؤمنة من آمن بي وبرسلي
__________________
(١) سورة فصّلت : ٤٦.
(٢) سورة الأعراف : ٥٦.