فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة ، فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمّد ما نرى شيئا مما تخوّفنا به فأنزل الله (أَتى أَمْرُ اللهِ) (١) فوثب النبي صلىاللهعليهوسلم ورفع الناس رؤوسهم فنزلت (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) فاطمأنوا فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين ـ وأشار بإصبعيه ـ إن كادت لتسبقني» [٢] (٢).
وقال ابن عبّاس : كان بعث النبي صلىاللهعليهوسلم من أشراط الساعة. وأن جبرئيل لما مرّ بأهل السماوات مبعوثا إلى محمد صلىاللهعليهوسلم قالوا : الله أكبر قد قامت الساعة.
قال الآخرون : الأمر هاهنا العذاب بالسيف ، وهو جواب للنضر بن الحرث حين قال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) (٣) ـ الآية ـ يستعجل العذاب ، فأنزل الله هذه الآية ، وهذا من الجواب المقصور فقتل النضر يوم بدر صبرا.
وقال الضحاك : (أَمْرُ اللهِ) : الأحكام والحدود والفرائض.
والقول الأوّل أولى بالصواب ؛ لأنه لم يبلغنا أن أحدا من الصحابة مستعجل بفريضة الله قبل أن تفرض عليهم ، وأمّا مستعجل العذاب من المشركين فقد كانوا كثيرا.
(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ).
قرأه العامّة : بضم الياء وكسر الزاي المشدد ، الملائكة نصب. وخففه معظم أهل مكة والبصرة بمعنى ينزل الله.
وقرأ المفضل وروح وسهيل وزيد : يَنْزَلُ بفتح الياء والزاي ، الْمَلائِكَةُ رفع.
وقرأ الأعمش : يَنْزِلُ بفتح الياء وجزم النون وكسر الزاي من النزول ، والْمَلائِكَةُ رفع على هاتين القرائتين والفعل للملائكة.
(بِالرُّوحِ) بالوحي سمّاه روحا ، لأنه تحيا به القلوب والحق ، ويموت به الكفر والباطل.
وقال عطاء : بالنبوة فطرة يلقى الروح من أمره.
قتادة : بالرحمة.
أبو عبيدة : (بِالرُّوحِ) ، يعني : مع الروح وهو جبرئيل.
(مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ) محله نصب بنزع الخافض ، ومجازه بأن (أَنْذِرُوا) أعلموا ، من قولهم : (أَنْذِرْ بِهِ) أي أعلم (أَنَّهُ) في محل النصب بوقوع الإنذار عليه.
__________________
(١) سورة النحل : ١.
(٢) أسباب النزول : ١٨٧.
(٣) سورة الأنفال : ٣٢.