مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية ، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين فأدّاها وقتل يوم حنين في الحرب.
وروى عن عمر أنّه قال : هي عزمة من عزمات الله ، من سأل الكتابة كوتب.
وقال الآخرون : هو أمر ندب واستحباب ، ولا يلزم السيّد مكاتبة عبده سواء بذل له قيمته أو أكثر منها أو أقل ، وهو قول الشعبي والحسن البصري ، وإليه ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة وسائر الفقهاء.
وأمّا قوله سبحانه (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) فاختلفوا فيه ، فقال ابن عمر وابن زيد ومالك بن أنس : يعني قوّة على الاحتراف والكسب لأداء ما كوتب عليه ، وإليه ذهب الثوري.
وروى الوالبي عن ابن عباس قال : إن علمت أنّ لهم حيلة ولا يلقون مؤونتهم على المسلمين.
وقال الحسن ومجاهد والضحاك : مالا ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، واستدلّوا بقوله (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) (١).
قال الخليل : لو أراد المال لقال : إن علمتم لهم خيرا.
أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدّثنا هارون بن محمد قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا يحيى الحماني قال : حدّثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي عن سلمان قال : قال له عبد : كاتبني ، قال : لك مال؟ قال : لا ، قال : تطعمني أوساخ الناس فأبى عليه ، وقال إبراهيم وعبيدة وأبو صالح وابن زيد : يعني صدقا ووفاء وأمانة ، وقال طاوس وعمرو بن دينار : مالا وأمانة.
وقال الشافعي : أظهر معاني الخير في هذه الآية الاكتساب مع الأمانة ، فأحبّ أن لا يمتنع من مكاتبته إذا كان هكذا.
أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبة (٢) قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد العزيز العثماني وأبو النضر إسحاق بن إبراهيم قال : حدّثنا يحيى بن حمزة قال : أخبرني محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاثة حق على الله عونهم : رجل خرج في سبيل الله سبحانه ، ورجل تزوّج التماس الغنى عما حرّم الله عزوجل ، ورجل كاتب التماس الأداء» (٣) [٥٦].
__________________
(١) سورة البقرة : ١٨٠.
(٢) في النسخة الثانية : أخبرني ابن فنجويه عن عبد الله بن محمد بن شنبة.
(٣) المصنّف : ٥ / ٢٥٩ ـ الصنعاني ـ بتفاوت.