نعم ؛ ما كانوا يذكرون ذلك في كلّ عمل عمل ، وعبادة عبادة كالمتأخّرين ، بل يذكرون ذلك بعنوان الكلّية ، والقاعدة لكلّ عمل وعبادة ، والمتأخّرون لمّا كان غرضهم الشرح التام وكشف المرام بالإبرام ، كما فعلوا بالنسبة إلى سائر الأحكام ، ذكروا ذلك مع كلّ واحد واحد ، ونبّهوا صونا عن الجهل أو الغفلة ، شكر الله مساعيهم الجميلة ، وأفعالهم القويمة المتينة.
مع أنّه من بديهيّات الدين والوارد في القرآن والأخبار المتواترة وجوب إطاعة الله تعالى ، وإطاعة الحجج : بقوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (١) الآية.
والأخبار في ذلك زادت عن التواتر ، مع أنّه تعالى أمرنا ونهانا وخاطبنا بأحكام كثيرة.
وكلّ ذلك يقتضي وجوب الإطاعة ، والإطاعة في اللغة والعرف امتثال الأمر مثلا ، والامتثال العرفي واللغوي لا يتحقّق إلّا بأن يكون ذلك الفعل الذي يفعله بقصد أنّه تعالى أراده منّي ولذا أفعله ، فلا يتحقّق إلّا بقصد ذلك الفعل الذي أمره الله تعالى به ، وقصد أنّ فعله ليس إلّا من جهة أمره ، وأنّه في هذا الفعل يمتثل أمره ، إذ لو فعل الفعل لا بهذا القصد لا جرم يكون فعله بقصد أمر آخر ، لما عرفت من استحالة تحقّق الاختياري لا لقصد غاية.
فإذا كان فعله لقصد آخر وغرض غير إطاعة الله (٢) ، لا يعدّ في العرف واللغة فعله ذلك امتثالا ، ولا إطاعة لله ، ولا يعدّ فيهما مطيعا قطعا ، بل ربّما يعدّ عاصيا في إتيانه ذلك بقصد عصيانه تعالى ، بل لا شبهة في ذلك.
__________________
(١) النساء (٤) : ٥٩.
(٢) في (ك) : وغرض آخر وغير إطاعة الله تعالى.