الاعراب لانهم ظنوا أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون علام يقدمون ، وقد علم أنهم إذا بين لهم لم يصحبه إلا من يريد مواساته والموت معه) (١).
وقال الدينوري :
(وقد كان صحبه قوم من منازل الطريق فلما سمعوا خبر مسلم ، وقد كانوا ظنوا أنه يقدم على أنصار وعضد ، تفرقوا عنه ، ولم يبق معه إلا خاصته) (٢).
وإذن فقد بقي رجال الثورة الحقيقيون وحدهم بعد أن انجلى الموقف وتبين المصير.
___________________
(١) الطبري : ٥ / ٣٩٩ ٣٩٨ ، وابن الاثير : ٣ / ٢٧٨.
(٢) الاخبار الطوال : ٢٤٨. ويبدو أنه قد كان يسود في تلك الايام ، حتى في أوساط الخاصة من الناس ، الاعتقاد بأن أمر الخلافة سيصير إلى العلويين أو ـ إلى الهاشميين بوجه عام ، ففي حديث لبطة بن الفرزدق الشاعر أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال له حين أخبره لبطة بلقائه للحسين حين خروجه من مكة : (ويلك ، فهلا اتبعته ، فوالله ليملكن ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه. قال (لبطة). فهممت والله أن الحق به ، ووقع في قلبي مقالته ، ثم ذكرت الانبياء وقتلهم فصدني ذلك عن اللحاق بهم. قال : وكان أهل ذلك الزمان يقولون ذلك الامر وينتظرونه في كل يوم وليلة. قال : وكان عبد الله بن عمرو يقول : لا تبلغ الشجرة ولا النخلة ولا الصغير حتى يظهر هذا الامر ـ الطبري : ٥ / ٣٨٧ ٣٨٦). نلاحظ أن داعي الاتباع هو الامل في أن يملك الحسين. ولعل كثيرين من هؤلاء الذين اتبعوه من الاعراب قد تأثروا في اتباعهم له بهذا الاعتقاد : أنه لا بد أن يملك ، وأنه (لا يجوز السلاح فيه وفي أصحابه) فلما اكتشفوا ـ نتيجة لمقتل من أخبر الحسين بأنهم قتلوا ـ أن السلاح يجوز في أصحابه ، تفرقوا عنه.
وهذا الخبر مروي في مقتل الخوارزمي (١ / ٢٢٢) بصورة أخرى ، وفيه : (أما أنه لا يحيك فيه السلاح).
ونعتقد أنه قد سقطت من الخبر في الروايتين بعض الحلقات الهامة التي تصور بعض الاعتقادات الشعبية في ذلك الحين ، وتأثير العامل السحري في مواقف الناس.
وقد عاش لبطة ابن الفرزدق حتى خرج علي أبي جعفر لمنصور مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن (قتيل باخمرى) وجعله ابراهيم من قواده ، وقد قتل بعد مقتل إبراهيم ـ مقاتل الطالبيين : ٣٦٩.