اُولئك الّذين وصفهم أمير المؤمنين سلام الله عليه بقوله : مُرْه ١ العيون من البكاء ، خمص البطون من الصيام ، صفر الألوان من السهر ، علىٰ وجوههم غبرة الخاشعين ، اُولئك إخواني الذاهبون ، فحقّ لنا أن نظمأ إليهم ، ونعضّ الأيدي علىٰ فراقهم .
والمؤمن كلّما اقترب من ربّه منزلة أتحفه الله بأنواع المصائب والبلايا ، فتتوالىٰ عليه من كلّ مكان ، وتسدّد قُسيّها إليه من كلّ جانب ، وهل البلاء إلّا لمن أخلص لله وآمن به ، الأمثل فالأمثل ، ليجزيه الله الجزاء الأوفر .
وقد مرّ موضوع شدّة الإبتلاء وأنواعه في مقدّمة كتاب « التمحيص » فلا حاجة لإعادته ، وسترد أحاديث اُخرىٰ في كتابنا هذا تنير الطريق لسالكيه ، وتشرح القلوب التي في الصدور ، مستقاة من معين أهل بيت الرحمة عليهم السلام ، الّذين هم أعرف بعلل النفوس وأمراضها ، ووساوس الشياطين وأدرانها ، فيعيّنوا الداء ، ويصفوا الدواء ،
جعلنا الله من المتمسّكين بحبل ولايتهم ، المقبولة أعمالهم ، المغفورة ذنوبهم ، الهانئين بشربة رويّة من حوض كوثرهم ، الفائزين بشفاعتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلّا من أتىٰ الله بقلب سليم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
____________________________
(١) مُرْه : جمع أمره ، من مرهت عينه إذا فسدت ، أو ابيضّت حماليقها .