انصرفوا إلى تصفية الحديث وتصنيفه قبل لم ان يقوم البخاري بمهمته التي تعد تجولا جديدا في تاريخ الحديث عند السنة ، ومع ذلك لم يرو عن هذه الطبقات التي عاصرته ولا عن التي قبلها وتجاهل الائمة الكرام الذين حدثوا عن جدهم الرسول وابيهم علي (ع) وعن كرام الصحابة ، لا نقصد ان ندعي انه خال من الرواة المعتنقين لفكرة التشيع ، لان الباحث يجده في بعض الاسانيد يعتمد احيانا على بعض الشيعة كسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والقاسم بن محمد ، وعبد الملك بن اعين في حديث واحد رواه عنه سفيان بن عيينة في كتاب التوحيد من صحيحه ، والثلاثة الاول وان احيط تشيعهم باكثر من شبهة عند السنيين والشيعيين ، ولكنهم في واقعهم اقرب إلى التشيع من التسنن ، لا سيما سعيد بن جبير الذي قتله الحجاج بن يوسف لانه لم يعلن براءته من علي وبنيه (ع) كما نص على ذلك اكثر المؤرخين ، هذا بالاضافة إلى ان كتب التراجم السنية لا تعد سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد من رجال الشيعة.
وهب ان هؤلاء واكثر منهم ممن اتهم بالتشيع بين رجال البخاري من الشيعة البارزين والداعين إلى التشيع ، فهل يرفع ذلك عن البخاري الذي جاء لتصفية الحديث ، وجمع صحيحه من ستماية الف حديث مسؤولية اهماله لآلاف الرواة والمحدثين من الشيعة الذين شاركوه في رحلاتهم الطويلة لدراسة الحديث ، واهماله لثلاثة من الائمة الذين عاصروه (١) وتجاهله للامام الصادق وولده الكاظم وحفيده الامام علي ابن موسى (ع) وللحسن السبط ، مع اكثاره من مرويات ابي هريرة المدلس (٢) وابن هند واتباعه ، وعكرمة الخارجي ، وعروة الناصبي ، وروايته عن عمران بن حطان ورفاقه من الخوارج ، لذا فان الباحث لم
__________________
(١) الجواد والهادي والعسكري (ع).
(٢) بشهادة ابن قتيبة. وشعبة بن الحجاج امام اهل الجرج والتعديل وغيرهما.