متصرفون ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين ، ولا إليه مضطرين.
فقال له الشيخ ، كيف لم نكن في شئ من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟ فقال له اتظن انه كان قضاء حتما وقدرا لازما ، انه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر من الله ، وسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم تكن لائمة لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولكان المذنب اولى بالاحسان من المحسن ، والمحسن أولى بالعقوبة من المذنب ، تلك مقالة عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الامة ومجوسها.
ان الله كلف تخييرا ، ونهى تحذيرا ، واعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ولم يملك مفوضا ، ولم يخلق السموات وما بينهما باطلا ، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (١).
__________________ـ
(١) ان النزاع في القضاء والقدر ونسبتهما الى الافعال يرجع تاريخه إلى القرن الاول الذي انتشرت فيه الدعوة الاسلامية خارج البلاد العربية واتصل المسلمون العرب بغيرهم من الامم ذات الديانات المختلفة ، وقد تشعبت فيهما الآ راء ، فقال فريق بان تعلق الارادة بالاشياء يوجب سلب الاختيار ، ولازم ذلك ان يكون الانسان مجبورا في افعاله ، وقال فريق آخر وهم المفوضة بأن الانسان مختار في افعاله ، والارادة الالهية لم تتملق بشئ من افعال الانسان وقد نفى الامام (ع) في جوابه للسائل كلا الامرين فقال : لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب اي لو كان قضاء حتما وقدرا لازما بنحو لا يكون للعبد ارادة واختيار في افعاله يكون العقاب من الله على القبيح ظلما لانه هو الفاعل ولا يستحق الانسان على الخير شيئا لانه مدفوع ألى فعله قهرا وبدون ارادة واختيار وقد دفع شبهة التفويض بقوله (ع) : ولم يعص مغلوبا. اي ان الانسان لو كان خالقا لفعله من غير ان يكون لله رأي في ذلك. كانت مخالفته لما كلفه الله به من الافعال غلبة منه على الله سبحانه. كما وان قوله (ع) ولم يطع مكرها تعريض بالمجبرة الذين ذهبوا إلى ان الانسان مسير للقضاء الحتمى والقدر اللازم ولا يملك الاختيار في شئ من حالاته.