ولم يكن موقف الكوفيين من الجملة العربية أفضل من موقف اسلافهم البصريين. فبدلا من ان يدرسوا الجملة التعجبية مثلا دراسة جديدة ، ويعتبروها صيغة خاصة لا تنضوي تحت اي من الجملتين «الاسمية» ، او «الفعلية» ، حصروا جهدهم ـ ما عدا الكسائي ـ في اثبات ان «أفعل» التعجّب اسم لا فعل ، كما قال البصريون ، وان اصل التعجب هو الاستفهام ، وأن العرب فتحوا آخر «أفعل» ونصبوا الاسم بعده ليميّزوا بين الاستفهام (ما أحسن السماء) ، وبين التعجب (ما أحسن السماء) (١) ، وأنه كان يجب أن يكون للتعجب حرف خاص به ، كما للاستفهام والشرط وغيرهما ، ولكن العرب لم تنطق بحرف التعجب وضمّنت «أفعل» معناه ، وبنته كما بنت اسماء الاشارة لتضمّنها معنى حرف الاشارة (٢).
وبدلا من أن يعيدوا النظر في جملة النداء ويدرسوها
__________________
(١) لا بدّ من ملاحظة ما في هذا الحكم من «طفولية». فهو يساوي بين صيغتي الاستفهام والتعجب لمجرد تساويهما في العناصر : (ما+ أفعل+ اسم) ، ثم يخالف بين حركتي (افعل) والاسم الذي بعدها للتفريق بين دلالتي الصيغتين. (راجع ما كتبناه بصدد التمييز بين اسلوبي التعجب والاستفهام حتى في اللهجات المحكية في كتابنا «تجديد النحو العربي» ص ٥٣).
(٢) انظر في هذا المسألة ١٥ من كتاب «الانصاف في مسائل الخلاف».