ومن الاُمور التي كان من المفترض أن تتصدّر قائمة الأبحاث وتعنى بالدراسة والتحليل هي رسائل الإمام الحسن عليهالسلام إلى معاوية ، إلّا أنّنا لم نرّ من ذلك شيئاً يذكر مع قيمتها التاريخية والسياسية والوثائقية ، ممّا حدا بي إلى أن ألقي شيئاً من الضوء على هذه الرسائل حتى نتعرّف معطياتها وجانباً من منهج سياسة الإمام الحسن عليهالسلام.
والجدير بالذكر إنّني حاولتُ في هذا البحث أن أتعامل مع النص وما يحيط به من ظروف ، بدون أن أترسّم خطى أحد لأخذ رأيه أو كيفية طرحه واُسلوب تعامله مع النص ، حتى تكون النتائح أقرب إلى النص منها إلى رأي الآخرين وأفكارهم.
وليكن معلوماً لدى القارىء الكريم أنّ الرسائل المتبادلة بين الإمام عليهالسلام ومعاوية لم تصلنا مرتّبة في كتب التاريخ من ناحية الزمان ، بل جاءت مبعثرة غير منتظمة عدا ما ورد في معادن الحكمة للكاشاني (١) حسب تتبّعي ، إلّا أنّ الملتفِت لمجريات الحوادث يستطيع ترتيبها حسب زمان صدورها ولو ظنّاً بنسبة مرتفعة ، هذا وقد اختلفت نسخها في المصادر ، لذا سوف أكتفي بالأوسع مضموناً منها.
الرسالة الاُولى :
كتب الإمام الحسن عليهالسلام إلى معاوية مع جندب بن عبد الله الأزدي :
« من الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام عليك فإنّي أحمد الله الذي لا إلٰه إلّا هو.
أمّا بعد فإنّ الله
عزّ وجل بعث محمّداً صلىاللهعليهوآله رحمة للعالمين ، ومنّة للمؤمنين ، توفّاه الله غير مقصّر ولا وان ، بعد أن أظهر الله به الحق ، ومحق به الشرك ، وخصّ
قريشاً خاصّة ، فقال له : (
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ) (٢) فلمّا توفي تنازعت سلطانه العرب ، فقالت قريش : نحن قبيلته واُسرته وأولياؤه لا يحلّ لكم أن تنازعونا