أقرب إلى النفس الأخلاقي في الجاهلية منها إلى غيره. وهو بهذا يحاول أن يضاهي ليتجاوزه أكثر من أن يحاكي ليتطابق ، فأجواء قصائد الفرسان في الجاهلية تحيط قصيدة البصري بمدارات متخفيّة ، فربّما هناك عنترة أو دريد بن الصمّة أو عروة بن الورد ، أو الشنفرى يطلّون على مساحة النص من منافذ يسترها الشاعر ويخفيها بحذق غير مكتمل ، ونقول : الأجواء العامّة والآفاق المترامية تخلّصاً من التدقيق المتفحّص والتنقيب المتأنّي اللّذين لا يتفقان مع عجالة هذا الجهد المبسّط ، لكنّنا نشير إشارات من المستوى النحوي إلى بعض الظواهر مثل استخدام الصفة المقطوعة عن الموصوف في :
تعال إلى روح شفيف هيامها
أو استخدام جملة الحال الاسميّة :
لنرحل صوب الشمس عجلى خيولنا
أو استخدام اسم الفاعل العامل في :
فيا صابراً صبر المسيح وملجماً |
|
خطوباً .............. |
ويمكن للدقّة والفحص النقدي المتأنّي أن يكشف إشارات المحاكاة أو المضاهاة في مستويات اُخرى كالمستوى التركيبي أو المستوى الدلالي.
أمّا عن قصيدته (
الندى المحترق ) فسرعان ما نكتشف أنّ العنوان كان اختفاءاً رومانسياً وواجهة برّاقة لا تشف عمّا في داخلها ، فلا نستطيع أن نوازن بين موضوع القصيدة وهو ميلاد الإمام الحسن عليهالسلام وبين الندى المحترق ، حتى لو أخذنا بالاشتراك اللفظي لكلمة ( الندى ) التي تعني قطرات الماء المتساقطة فجراً على الأوراق والغصون وتعني كذلك الكروم ، وكلا المعنيين كاشف عن العطاء مثلاً أو الرقّة أو الطراوة ، فعندما تحترق هذه المعاني ـ تجوّزاً ـ تجد
لها مبرّراً شاعرياً رومانسيّ التركيب ، لكنّنا لا نتوافق مع الشاعر في هذا الاختيار