مضموناً أخلاقياً يريده ويتمنّاه ويبحث عنه في :
وطرزت المدى ألقاً كريماً |
|
كأنّ النجم طلّ به وطافا |
ويوردها متعلّقة بالسجية والسلوك والطباع في :
مشى مجداً وطاف هدىً وأسرى |
|
كريم الطبع قد سلك اقتيافا |
لنرى أنّ يقين البصري لا يفارق إطلالته الموشّاة بجمال الأخلاق ، ونرى أنّ نشوته وجذله عندما ينظم بيتاً تظهر فيه الأخلاق مذابة في محاكاته للنموذج ومضاهاته لعنفوان القصيدة العربية الكلاسيكية ، وقد أوشكنا أن ننتهي من تقرير هذا المنحى عنده بشكل قطعي ، إلّا أنّنا نضيف دليلاً من المستوى العروضي لكشف هذه المحاكاة.
قصيدة البصري من بحر الوافر ورويّها هو حرف الفاء المفتوح وتحوّلت الفتحة إلى ألف إطلاق ، ولو تأمّلنا في هذا البحر وفي تفعيلاته لرأينا أنّه كالآتي :
مفاعلتن مفاعلتن فعولن |
|
مفاعلتن مفاعلتن فعولن |
فلو قطعنا المجموع ( مفا ) من أوّل الصدر ومن أوّل العجز لبقي لدينا :
علتن مفاعلتن فعولن |
|
علتن مفاعلتن فعولن |
وهذه الصيغة الإيقاعية تقابل بالضبط صيغة مجزوء الكامل المرفل :
متفاعلن متفاعلاتن |
|
متفاعلن متفاعلاتن |
وللشاعر الكبير محمّد
مهدي الجواهري قصيدة بعنوان ( رسالة مُملَّحة ) ، منظومة على هذا البحر وعلى روي قصيدة البصري نفسه ، وهذه القصيدة في ذاكرة البصري بلا أدنى شك ممّا يمنحه الفرصة للتقاطع معها كركيزة للمحاكاة والمضاهاة على المستوى النظمي ، ولا أقول التعكّز عليها لأنّ المضامين التي يطرحها البصري تفرز شاعريته الخصوصية غير المتداخلة مع نصّ الجواهري في مضامينه ، لكنّني أقول إنّ هناك تراسلاً لا شعورياً وتناصّاً لا يبرأ منه نصّ