ومثل ذلك من قصر حياته أو قلمه على التبليغ ونشر التشيّع والإسلام وعلى الدفاع عن الحق ، فإن كل ذلك جهاد في سبيل الله ، طبعاً يكون ذلك جهاداً إذا كان في موضعه فالسيف في موضع القلم وبالعكس ليس جهاداً.
فإنّ من حمل السلاح في غير مورده لا يُسمّى مجاهداً إذ لا يكون في عمله إعلاء لكلمة الإسلام ، ومن ذلك يظهر جليّاً أنّ الإمام الحسن عليهالسلام بصلحه لم يترك الجهاد ، بل انتقل من جهاد إلى آخر.
وجهاده بالصلح أقسى مرارة وأشدّ من جهاده بالسيف ، فكلا موقفيه ـ يوم وقف في الميدان مصالحاً ، ويوم وقف في حومة الوغى محارباً ـ جهاد في سبيل الله.
ولا يخفى أنّ أسباب صلحه ـ كما هي أسباب حربه ـ ليست أسباباً ناشئة عن مصالح شخصية ، وأنّما هي بحسب ما أملته عليه الوظيفة الإلهية ليس غير ، ولهذا لم يتبيّن لنا المراد ممّا جاء في كتاب صلح الحسن في قوله : « فليكن الحسن ابن رسول الله هو ذلك المخلوق الذي ادّخره الله للإصلاح لا للحرب ، وللسلام لا للخصام » (١) وقوله : « والحسن رسول السلام في الإسلام » (٢) ، فسواء كان لذلك مفهوم ـ كما يقول الأصوليون ـ أم لا ، لم يتبيّن مراده قدسسره فإنّ الإصلاح والحرب والسلام والخصام إذا كان في سبيل الله ولإعلاء كلمة الإسلام لا فرق بينهما أصلاً.
إنّ المهم أن يكون الإصلاح والحرب في سبيل الله ليس غير ، وأنّ تقديم الحرب في مواطن على السلم لا يعني أن مَن قاد الحرب لا يحب ـ أو لا يتفاعل ـ مع الإصلاح والسلام ، بل حربه في سبيل الله هي إصلاح وسلام.
فليس عندنا في الإسلام صنفان ـ مصلحون ومحاربون ، مسالمون ومخاصمون ـ وليس عندنا رسول للسلام ورسول للحرب في الإسلام.
فإنّ المحارب هو
المسالم والمصالح وانّ رسول الحرب ـ إن صحّ التعبير ـ