وإذا سلّمنا بصحة هذه الروايات ، فإننا لا نشك في أنّ جمع زيد بن ثابت للمصحف كان خاصّاً للخليفة ، لأنّه لا يملك مصحفاً تاماً ، لا لعموم المسلمين ، لأنّ الصحابة من ذوي المصاحف قد احتفظوا بمصاحفهم مع أنّها تختلف في ترتيبها عن المصحف الذي جمعه زيد ، وكان أهل الامصار يقرأون بهذه المصاحف ، فلو كان هذا المصحف عاماً لكلِّ المسلمين لماذا أمر أبو بكر زيداً وعُمَرَ بجمعه من اللخاف والعسب وصدور الرجال ؟ وكان بإمكانه أخذه تاماً من عبدالله بن مسعود الذي كان يملي القرآن عن ظهر قلب في مسجد الكوفة ، والذي قال عنه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا أردتم أن تأخذوا القرآن رطباً كما أُنزل ، فخذوه من ابن أُمّ عبد ـ أي من عبدالله بن مسعود ـ » (١) .. والذي يروي عنه أنّه قال عندما طلب منه تسليم مصحفه أيام عثمان : « أخذت من في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبعين سورة ، وإنّ زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب مع الغلمان » (٢).. وبإمكانه أن يأخذه تامّاً من الإمام عليّ عليهالسلام الذي استودعه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم القرآن ، وطلب منه جمعه عقيب وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فجمعه وجاء به إليهم ، فلم يقبلوه منه (٣) ، وما من آيةٍ إلّا وهي عنده بخطّ يده وإملاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال أبو عبد الرحمن السلمي : « ما رأيت ابن أنثىٰ أقرأ لكتاب الله تعالىٰ من عليّ عليهالسلام » (٤).
وبإمكانه أن يأخذه من أُبي بن كعب الذي قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
______________________
(١) مستدرك الحاكم ٣ : ٣١٨ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٨٧ ، مسند أحمد ١ : ٤٤٥.
(٢) الاستيعاب ٣ : ٩٩٣.
(٣) الاحتجاج ١ : ٣٨٣ ، البحار ٩٢ : ٤٠.
(٤) الغدير ٦ : ٣٠٨ عن مفتاح السعادة ١ : ٣٥١ ، وطبقات القراء ١ : ٥٤٦.