٢ ـ لا تصحّ الرواية الثالثة ؛ لأنّ المصاحف واستحداث لفظها لم يكن في زمان أبي بكر ، بل هي موجودة منذ زمان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واستخدمت هذه المفردة لهذا المعنىٰ ، وهو القرآن الذي بين الدفّتين ، منذ فجر الرسالة كما تقدّم بيانه ، وتقول هذه الرواية أنّ كلمة ( مصحف ) حبشيّة ، بل هي عربية أصيلة ، ولسان الحبشة لم يكن عربياً ، ثمّ إنّهم لماذا تحيّروا في تسمية كتاب الله وهو تعالىٰ سمّاه في محكم التنزيل قرآناً وفرقاناً وكتاباً.
٣ ـ الملاحظ أنّ هذه الروايات تؤكّد علىٰ أنّ جمع القرآن كان بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد تقدّم بطلان ذلك ؛ لأنّه كان مؤلّفاً مجموعاً علىٰ عهده صلىاللهعليهوآلهوسلم يقرأ بالمصاحف ويختم ، وكان له كُتّاب مخصوصون يتولون كتابته وتأليفه بحضرة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يشرف علىٰ أعمالهم بنفسه ، وكان لدىٰ الصحابة مصاحف كثيرة شُرّعت فيها بعض السنن ، وكانوا يعرضون علىٰ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ما عندهم باستمرار ، وكان كثير من الصحابة قد جمعوا القرآن في حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٤ ـ هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبةً من أنّ القرآن لا طريق لاثباته إلّا التواتر ، فانّها تقول إن إثبات بعض آيات القرآن حين الجمع كان منحصراً بشهادة شاهدين أو بشهادة رجلٍ واحدٍ ، ويلزم من هذا أن يثبت القرآن بخبر الواحد أيضاً ، وهي دعوىٰ خطيرةٌ لا ريب في بطلانها ، إذ القطع بتواتر القرآن سببٌ للقطع بكذب هذه الروايات أجمع وبوجوب طرحها وانكارها ؛ لأنّها تثبت القرآن بغير التواتر ، وقد ثبت بطلان ذلك باجماع المسلمين ، فهذه الروايات باطلة ما دامت تخالف ما هو ثابت بالضرورة.