بقولهم : إنّ عثمان جعل للناس إماماً ، فكيف يرىٰ فيه لحناً ويتركه لتقيّمه العرب بألسنتها ، أو يؤخّر شيئاً فاسداً ليصلحه غيره ؟! وإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيّموا ذلك ـ وهم الخيار وأهل اللغة والفصاحة والقدرة علىٰ ذلك ـ فكيف يتركون في كتاب الله لحناً يصلحه غيرهم ! ثمّ إنّ عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً بل كتب عدة مصاحف ، فلم تأتِ المصاحف مختلفة قطّ ، إلّا فيما هو من وجوه القراءات والتلاوة دون الرسم ، وليس ذلك باللحن » (١).
والذي يهوّن الخطب في هذه الرواية ومثيلاتها الآتية أنّها برواية عكرمة مولىٰ ابن عبّاس ، وكان من أعلام الضلال ودعاة السوء ، وكان يرىٰ رأي الخوارج ، ويُضرب به المثل في الكذب والافتراء ، حتىٰ قدح به الأكابر وكذّبوه ، أمثال ابن عمر ومجاهد وعطاء وابن سيرين ومالك بن أنس والشافعي وسعيد بن المسيب ويحيىٰ بن سعيد ، وحرّم مالك الرواية عنه ، وأعرض عنه مسلم (٢).
الثانية : روي عن ابن عباس في قوله تعالىٰ : ( حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا ) ( النور ٢٤ : ٢٧ ) قال : « إنّما هو ( حتّىٰ تستأذنوا ) ، وأنّ الأوّل خطأٌ من الكاتب » (٣) ، والمراد بالاستئناس هنا الاستعلام ، أي حتىٰ تستعلموا من في البيت ، فهذه الرواية مكذوبةٌ علىٰ ابن عباس ولا تصحّ عنه ، لأنّ مصاحف الإسلام كلّها قد ثبت فيها ( حتّىٰ تَسْتَأنِسُوا ) وصحّ الإجماع فيها
______________________
(١) روح المعاني ٦ : ١٣.
(٢) أُنظر وفيات الاعيان ١ : ٣١٩ ، ميزان الاعتدال ٣ : ٩٣ ، المغني في الضعفاء ٢ : ٨٤ ، الضعفاء الكبير ٣ : ٣٧٣ ، طبقات ابن سعد ٥ : ٢٨٧ ، تهذيب الكمال ٧ : ٢٦٣.
(٣) الاتقان ٢ : ٣٢٧ ، لباب التأويل ٣ : ٣٢٤ ، فتح الباري ١١ : ٧.