الواسطة بين الخالق والمخلوق ، وحبل الله الممدود من السماء الى الأرض ، ولكن كيف نعرف صدقهم وصدق دعوتهم من بين القادة المنحرفين والدعوات الضالة؟
القرآن يجيب على هذا السؤال إذ يقول :
(بِالْبَيِّناتِ)
لهذه الكلمة معنيان يبدو ان كليهما تشملهما الكلمة :
١ ـ تفاصيل الهدى ، المتمثّلة في الثقافة التوحيدية ، والبصائر والقيم ، والمناهج المنبثقة منها ، واشتمال رسالات الله على هذه التفاصيل دليل على انّها وحي من عند الله ، إذ قد يهتدي بشر اوتي صفاء النفس الى بعض معاني الغيب ، ولكن انّى للإنسان ان يأتي بهذه المنظومة المتكاملة من البصائر الغيبيّة ، ان ذلك الا دليل اتصاله المباشر بالوحي.
٢ ـ الحجج والآيات التي تهيمن على النفس والعقل ، كالمعاجز ، والخلوص من الهوى والمصلحة والتمحض للحق ، وهذا يهدينا الى ان الرسالات الالهية قائمة قبل كل شيء على الاقناع ، لأنه الذي ينمّي الايمان في النفس ، ويحرّكه بفاعلية أكبر ، وأبقى من اي عامل آخر ، وربنا يقول : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (١) ، ذلك أنّ الايمان الناتج من الاستجابة للبيّنات والآيات هو الذي يخشع القلب والجوارح لذكر الله ، ويطوّعهما للرسول ولما نزل من الحق وللميزان ، وبالتالي يدفع المؤمن للقيام بالقسط ، وحينما يتخلّف أحد من المؤمنين عن الاستجابة للرسول وللوحي فانّ ذلك يدلّ على تزلزل في قناعاته.
وحيث لا يؤتي الايمان ثماره الا إذا تحول الى نظام تربوي ، اجتماعي ،
__________________
(١) فصلت / ٥٣