ثانيا : ما جاء القرآن بديلا عن الامام (السلطة العادلة) حيث يجب التسليم للقيادة الشرعية في حدود قيم الكتاب ، فدور الامام يكمل دور الرسالة ، لذلك قال رسول الله (ص) : «إنّي قد تركت فيكم الثقلين ، ما ان تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (١) ، وقد أجمعت فرق المسلمين قاطبة على هذه الرواية ، مع حكم العقل بضرورتها ، اما قول الخوارج : (حسبنا كتاب الله) فانّه باطل بشهادة الكتاب ، وشهادة العقل ، بل وشهادة التاريخ البشري حيث لم نعهد جماعة بلا سلطة تحكمهم ، وحتى الخوارج أنفسهم ما عاشوا دون سلطة طول تاريخهم.
وميزان الإنسان في الدنيا هو ميزانه في الآخرة حيث يقول ربنا سبحانه : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (٢)
قال الامام الرضا (ع) : «الميزان : أمير المؤمنين نصبه لخلقه» ، «أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ» قال : «لا تعصوا الامام» (٣).
والعقل يعكس مقاييسه التي فطر عليها على مجموعة أدوات يقيس بها الأشياء. أرأيت ان العقل يعرف ـ عبر البصر ـ مدى قرب أو بعد الأشياء ، ولكنّه التماسا للدقة يعكس ذلك على أدوات العلم (المتر والكيلومتر) ، كما يقدر العقل على معرفة مدى حرارة الجسم باللمس ، ولكنّه يبدع المحرار ليكون أقرب الى الدقة ، وهكذا سائر الموازين. إنّها تجليات العقل على الطبيعة ، ومن جهة أخرى انها
__________________
(١) بح / ج ٢٣ ص ١٠٦ وكنز العمال / ج ص ١٧٢ و(١٨) موضعا آخر
(٢) الإسراء / ٧١
(٣) نور الثقلين / ج ٥ ص ١٨٨ وقد مر في سورة الرحمن تفصيل حول معنى الميزان