بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ). (١)
[٢٧] في سورة الحديد التي اتسمت بصفة الروحانية المتسامية والتي جاءت شفاء ناجعا لمرض القسوة التي تصيب القلوب الغافلة عن ذكر الله ، في هذه السورة قرأنا آية الحديد التي حدّدت هدف الرسالة في إقامة القسط ، ولم تستبعد الحديد كوسيلة لتنفيذه. إنّه حقّا توازن حكيم بين التعالي في أفق الغيب والحضور الفاعل في أحداث الحياة.
ولذلك أيضا يتناول السياق قصة الرهبنة التي زاغت بالنصارى عن الطريق القويم ، كما انحرف اليهود من قبلهم حين ابتلوا بالنظرة العنصرية. وإذا عالجت الآية السابقة وبإشارة خاطفة عنصرية اليهود وغيرهم فإنّ هذه الآية بيّنت بوضوح خطأ الرهبانية ، وذكّرت كلتا الآيتين بأنّ الطريق القويم يتمثّل في سنّة الأنبياء الذين توالوا على البشرية برسالة واحدة تحدّدت معالمها مع الزمن ، وأنّ الخط الواحد والمشترك الذي تهدي إليه سيرتهم جميعا هو الميزان في قياس الحق ، وهو يتمثّل في القرآن كما نقرأ ذلك في آيات لاحقة.
(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا)
واحدا بعد واحد يهدي بهم الله البشرية إلى خط نوح وإبراهيم كلّما فسقت وضلّت عنه ، فهم يتبعون ذات النهج ، ويسعون إلى ذات الأهداف ، وبذات الوسائل (البيّنات ، والكتاب ، والميزان ، والحديد) ، وهكذا ينبغي أن تكون الأجيال اللاحقة في الأمّة مسئولة عن مسيرتها ، تقتفي أثر الرّواد الصالحين ، سيرا إلى الحضارة والتكامل ... وحيث تفصلها العصور والأجيال عن أولئك (النبي وأئمة الهدى) فإنّ الكتاب والإمام خير مقياس لمعرفة المنهج القويم. بلى. إنّ
__________________
(١) عيون اخبار الرضا / ج ١ ص ٢٣٠