عودتها إلى الخط السليم ، وبالذات في مجتمع ذهب بعيدا في الضلال والانحراف ، سيضعها أمام تحدّيات صعبة ، ولكنّها الطريق الوحيد نحو الهدى والسعادة ، والنجاة من الضلال والشقاء.
(وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ)
والإنجيل لم يكن مغايرا لتلك الرسالات ، إنّما هو متضمّن لذات المفاهيم والقيم ، إلا أنّ العنصرية التي انحدر إليها بنو إسرائيل من قبل نزول الإنجيل ، وما رافقها من النظرة المادية وقسوة القلب ، كانت بحاجة إلى جرعات من الحنان والعطف والزهد والخشوع ، وكانت كلمات الإنجيل تفيض بذلك لمعالجة ذلك التطرف المادي الطاغي ، وهكذا زرع الله في قلوب التابعين لعيسى (ع) الرأفة والرحمة بل الزهد والرهبانية الطاهرة.
(وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً)
لعلّ الرأفة هي العطف القلبي ، بينما الرحمة هي المظهر الخارجي لها مثل العطاء وخفض الجناح ، وقال البعض : إنّ الرأفة هي منع ما يضر ، بينما الرحمة هي توفير ما ينفع ، ومثل هذه الكلمات إذا ذكرت مفردة منها شملت معنى الجميع ، بينما إذا أطلقت أكثر من مفردة دلّت كلّ واحدة على معنى خاص ، وكان ذكرها يدلّ على التأكيد ، ممّا يوحي بأنّ الله جعل المزيد من العطف والحنان في قلوب الذين اتبعوا عيسى (ع). وحق لهم ذلك. أولم يكن قائدهم مثلا أسمى للزهد والحنان والخشوع والتبتّل؟
والرأفة والرحمة من أظهر وأعظم صفات الله في تعامله مع خلقه (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١) ، وهكذا تستهدف الرسالات الإلهية إنقاذ الناس من الصفات
__________________
(١) البقرة / ١٤٣