النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ). (١)
جاء في مسند أحمد بن حنبل : خرجنا مع رسول الله (ص) في سريّة من سراياه ، فقال : مرّ رجل بغار فيه شيء من ماء ، فحدّث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار ، فيقوّته ما كان فيه من ماء ، ويصيب ما حوله من البقل ، ويتخلّى عن الدنيا ، فقال : لو أنّني أتيت النبي (ص) فذكرت ذلك له ، فإن أذن لي فعلت ، وإلّا لم أفعل ، فأتاه فقال : يا نبيّ الله إنني مررت بغار فيه ما يقوّتني من الماء والبقل ، فحدّثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلّى عن الدنيا ، قال : فقال النبي (ص) : «إنّي لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية (يعني ما عليه اليهود والنصارى من التحريف) ولكنّني بعثت بالحنيفية السمحة ، والذي نفس محمد بيده لغدوة وروحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ، ولمقام أحدكم في الصف الأوّل خير من صلاته ستين سنة». (٢)
ويعضد هذا ما جاءت به الرواية عن ابن مسعود قال : «كنت رديف رسول الله (ص) على الحمار فقال : يا ابن أمّ عبد! هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، فقال : ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى (ع) يعملون بمعاصي الله ، فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم ، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات ، فلم يبق منهم إلّا القليل ، فقالوا : إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدّين أحد يدعوا إليه ، فتعالوا نتفرّق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى (ع) (يعنون محمدا (ص)) ، فتفرّقوا في غيران الجبال ، وأحدثوا رهبانية ، فمنهم من تمسّك بدينه ، ومنهم من كفر ، ثم تلا الآية : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) .... إلى آخرها ثم قال : يا بن أمّ عبد أتدري
__________________
(١) التوبة / ٣٤
(٢) الجامع لأحكام القرآن