وإنّها لكرامة أن يخصّ الخالق فريقا من خلقه بحديث من ذكره ، وإنّه لمن الشقاء أن يتلهّى المؤمنون عن هذا الحديث ، فلا تخشع له قلوبهم ، ولا تسعى إليه جوارحهم! من هنا يسارع المؤمنون حقّا عند ما يسمعون هذا النداء إلى القول : لبّيك اللهم لبّيك.
لماذا القرآن الكريم يخص النداء بالمؤمنين حينا ويخاطب الناس أحيانا ، علما بأن آياته تتسع كلّ تال لكتاب ربّه؟
ربما لأن الإيمان شرط أساسي في الموضوع. ألا ترى كيف أنّ القرآن يعمّم الخطاب للناس في غير ذلك ، مثل القضايا العلمية التي لا يشترط الإيمان في تنفيذها كالنفاذ من أقطار السموات والأرض ، فيقول : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) (١) ، ويقول : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) (٢) ، أو فيما يتصل بحكم يشمل الناس جميعا كالعلاقة بين الشعوب في قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) (٣). أمّا هنا فإنّ العمل بالمضمون يحتاج إلى الإيمان فلا يقفز الإنسان من الكفر إلى الإيمان بالرسول ، بل لا بد أن يؤمن بالله أوّل ثم برسوله ، كذلك لا يقفز من الكفر إلى التقوى التي هي من مراحل الإيمان المتقدمة إلّا بعد الإيمان بالله والرسول.
__________________
(١) الرحمن / ٣٣
(٢) الحج / ٥
(٣) الحجرات / ١١