الكتاب ، ولا يخسر الآخرة بسبب الالتصاق المفرط بالدنيا ، كما يستوي إلى ذلك الكثير من المؤمنين الذين قدّم لهم الله التعريف بالدنيا والدعوة إلى الآخرة في الآيات (١٩ ـ ٢٤) ، والكثير من الناس ، فالإسلام منهاج متوازن يريد لأتباعه الدنيا والآخرة ، فعن أبي الجارود قال : قلت لأبي جعفر (ع) : لقد آتى الله أهل الكتاب خيرا كثيرا ، قال : وما ذاك؟ قلت : قول الله عزّ وجلّ : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) إلى قوله : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) قال : فقال : قد آتاكم الله كما آتاهم ، ثم تلا : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ». (١)
(وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ)
نتيجة التقوى والإيمان بالرسول. قال البعض : أي يوم القيامة ، وهو النور المذكور في قوله : «يَسْعى نُورُهُمْ» (٢) ، ولكن ما الذي يجعل هذا النور محدودا بالآخرة؟ أو ليست حاجة الإنسان إلى النور قائمة في الدنيا أيضا؟ قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) (٣). هكذا يبدون أنّ النور الذي جاء في هذه الآية وفي تلك هو البصيرة في الحياة والتي تتمثّل يوم القيامة نورا ساطعا.
لماذا جيء بنا إلى الحياة الدنيا ، وما هي أهدافنا الكبرى فيها ، وما هي سنن الله الحاكمة ، واختلاف الناس وما هو الموقف المناسب والموازين الحق كيف نعرف بها أمورنا؟ وعشرات من البصائر القرآنية التي يؤتيها ربّنا الذين آمنوا واتقوا.
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٥٤
(٢) التفسير الكبير عند الآية يتابع الكشّاف
(٣) الانعام / ١٤٢