أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١) ، ويؤكد القرآن هذه القيمة في مئات المواضع ، كما يؤكّدها هنا مرّتين : مرّة بتعميم الخطاب لكلّ المؤمنين ، دون اشتراط صفات واعتبارات مادية ، ومرّة عند ما يصرّح بأن السبل مشرعة إلى فضل الله للجميع.
(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ)
في الآية وجهان ، يكون المعنى على الوجه الأول : لكي لا يقنطوا من روح الله وفضله فيبرّروا بذلك عدم إيمانهم بالرسول (ص) والكتاب الجديد ، أو يبرّروا عدم سعيهم إلى الرحمة والفضل ، كلّا .. فدعوة الله ووعده للجميع.
أما على الوجه الثاني فيكون المعنى : لكي لا يظن أهل الكتاب (النصارى واليهود) أن الفضل حكر عليهم ، وأنّ المؤمنين المسلمين لا سبيل لهم إلى فضله تعالى ، كلّا ..
(وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ)
يبدو أنّ أهل الكتاب كانوا يعيشون عقدتين خطيرتين : الأولى : أنّهم العنصر الأسمى فالفضل لهم لا لغيرهم ، الثانية : أنّهم لو آمنوا لا يتساوون في الفضل مع السابقين من المسلمين لأنّهم عرب وهم غرباء ، أو لأيّ سبب آخر.
وخاتمة الآية (وربما فاتحتها أيضا) تنفي كلتا العقدتين ، لأنّ الفضل بيد الله فإنّه يؤتيه للمسلمين كما آتاه سابقا لأهل الكتاب عند ما آمنوا برسلهم ، ثمّ لأنّ الفضل بيد الله فإنّه لا يميّز بين عربي وأعجمي ، وسابق ولا حق ، ومواطن وأجنبي (حسب التعبير الحديث) ، وقرشي وحبشي ، فكلّ من آمن واتقى شمله الله
__________________
(١) الحجرات / ١٣