بفضله .. وبهذا نجمع بين وجهي التفسير الّذين ذكرناهما آنفا حول الآية.
(وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
الذي يتسع لكلّ إنسان سعى له سعيه ، فمن أراد منع غيره عنه ، أن تصوّر أنه لا يتسع له فإنّما يستصغر فضل ربّه ويستقلّه ، وهذا شأن النفوس المريضة بعقد الإحساس بالحقارة والدونية ، والمريضة بالعنصرية والحسد ، وهذا وذاك لا يمتّ إلى الإيمان بصلة. والآية تشبه إلى حدّ بعيد قوله تعالى : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (١) ، فربّنا يدعوا إلى التسابق بين المؤمنين ، لا إلى التوقف بسبب اليأس ، ولا إلى الصراع بسبب النظرة العنصرية. ولعلّ ما ورد في مورد نزول الآية يشير إلى بعض ما سبق ذكره ..
في مجمع البيان قال سعيد بن جبير : بعث رسول الله (ص) جعفرا في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه ، فقدم عليه ودعاه ، فاستجاب له وآمن به ، فلمّا كان عند انصرافه قال ناس ممن آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلا : ائذن لنا فنأتي هذا النبي فنسلم به ، فقدموا مع جعفر ، فلمّا رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا وقالوا : يا نبيّ الله إنّ لنا أموالا ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها؟ فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين ، فأنزل الله تعالى فيهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) إلى قوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين ، فلمّا سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن به قوله : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) فخروا على المسلمين فقالوا : يا معشر المسلمين أمّا من آمن
__________________
(١) الحديد / ٢١