وهذا التشدّد من قبل الإسلام بهذه الشروط يجعل الظهار الشرعي نادرا ، وإن دلّ ذلك على شيء فإنّما يؤكّد حرص الإسلام على سلامة الأسرة فهو يسعى لتأليف أفرادها وربطهم إلى بعضهم ، لكي تستطيع القيام بدورها الحضاري في البناء والتقدم ، كما ويضع الإسلام حلّا تشريعيّا وعمليّا ناجعا لمشكلة الظهار ، فمن جهة لا يعطيه شرعية الجاهلية (الحرمة والتعليق إلى الأبد) ، ولا يعدّه واقعا إلّا إذا استكمل شروطه الشرعية الآنفة الذكر ، فبإمكان المظاهر أن يعيد النظر في قراره ويعود إلى زوجته لو أراد. ثم يضع العقوبات الواعظة بما فيه الكفاية عن أن يتورّط الإنسان المؤمن فيه ، وإذا تورّط فيه لا يعود إليه مرّة أخرى ويكون موعظة لغيره.
(الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ)
ظهارا مشروعا فإنّ ذلك لا يقطع كلّ الوشائج وإلى الأبد ، وإنّما يؤثّر عمليّا في العلاقة الجنسية المباشرة ، وبتعبير الروايات يمنع الوطأ (التماس) إلى أداء الكفّارة وتذوّق العقوبة الشرعية ، حتى أنّ أكثر الفقهاء جوّزوا ما دون الوطء كالقبلة وسائر أنواع المزاح ، فهو أقلّ حتى من الطلاق لأنّ المرأة لا تبين من زوجها به وحده ولا تعتد. وهذا الموقف من الإسلام يسهّل الحلّ ويهوّن المشكلة بخلاف الحكم الجاهلي في الموضوع (١).
والمظاهر على الخيار بين قطع العلاقة بالطلاق المشروع وبين العودة إلى زوجته ، وللحاكم الشرعي أن يضيّق عليه حتى يختار أحدهما لو رفعت المظاهر منها أمرها إليه بهدف منعه من التعليق (٢).
والقرآن في هذا الموضوع لا يذكر الخيار الأوّل (الطلاق) ، وإنّما قال :
__________________
(١) راجع وسائل الفقهاء عند الموضوع
(٢) شرائع الإسلام