(ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا)
يعني يعودون إلى الزواج الذي قالوه في صيغة العقد أو يعودون إلى الظهار بقصد نقضه وعلاجه ، وسواء هذا أو ذاك فإنّ المعنى واحد ، وهو إرادة الوطأ الذي حرموه على أنفسهم بالظهار. ولكن يبقى سؤال : كيف استفادوا هذا المعنى من هذه الكلمة؟
أجاب القرطبي على الاحتمال الأوّل بما يلي : وتحقيق هذا القول أنّ العزم قول نفسي ، وهذا رجل قال قولا اقتضى التحليل وهو النكاح وقال قولا اقتضى التحريم وهو الظهار ، ثم عاد لما قال وهو التحليل ، ولا يصح أن يكون منه ابتداء عقده لأنّ العقد باق فلم يبق إلّا أنّه قول عزم يخالف ما اعتقده وقاله في نفسه من الظهار الذي أخبر عنه بقوله : أنت عليّ كظهر أمّي ، وإذا كان كذلك كفّر وعاد إلى أهله. (١)
أمّا الاحتمال الثاني الذي اختاره الفخر الرازي فقد مهّد له أوّلا بما حكاه عن الغرّاء أنّه قال : لا فرق في اللغة بين أن يقال : يعودون لما قالوا ، وإلى ما قالوا وفيما قالوا ، قال أبو علي الفارسي : كلمة إلى واللام يتعاقبان كقوله : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا» ، وقال : «فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ» ، وقال تعالى : «وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ» ، وقال : «بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها».
ثم قال : قال أهل اللغة : يجوز أن يقال : عاد لما فعل ، أي فعله مرّة أخرى ، ويجوز أن يقال عاد لما فعل ، أي نقض ما فعل. وهذا الكلام معقول ، لأنّ من فعل شيئا ثم أراد أن يفعل مثله فقد عاد إلى تلك الماهية لا محالة أيضا ، وأيضا من فعل شيئا ثم أراد إبطاله فقد عاد إليه لأنّ التصرّف في الشيء بالإعدام لا يمكن إلّا بالعود اليه. (٢)
__________________
(١) تفسير القرطبي / ج ١٧ ص ٢٨١
(٢) الرازي / ج ٢٩ ص ٢٠٩