أقول : وعليكم» (١)
وربّنا لم يفضح ظاهر نفاقهم وحسب ، بل فضح نواياهم وسرائرهم الخبيثة أيضا ، حينما أخبرهم بالذي يدور في داخلهم.
(وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ)
أي لو كان الرسول صادقا بالفعل فلما ذا لا يغضب الله له؟ ويتخذون عدم حلول العذاب بهم ذريعة لإثبات سلامة خطهم ، والإصرار عليه. ويبطل القرآن كون هذا دليلا على صدقهم ، حتى لا يتأثّر المؤمنون بدعاياتهم وأفكارهم المضلّلة ، مؤكّدا بأنّهم يجازون ما يكفيهم من العذاب على ذلك ولكن بعد حين.
(حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ)
والآية تشير إلى أربعة ذنوب رئيسية اقترفها المنافقون وهي : تجاوز نهي الله بالعودة إلى النجوى ، وممارسة النجوى بالإثم ومعصية الرسول ، والتحية السيئة المخالفة للحق ، والافتراء على الله بقولهم في أنفسهم : «لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ».
[٩] ولا يحرّم الله النجوى (كتمان الحديث) على المؤمنين ، إنّما يحرّم اشتمالها على الواقع والمضامين المحرّمة ، وإلّا فهي مباحة ، بل قد تكون مطلوبة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ)
لأنّها مناجاة المنافقين ، وبهذا النهي يقف الإسلام ضدّ تنامي حركات سرّية مناهضة للنظام الإسلامي.
__________________
(١) القرطبي / ج ١٧ ص ٢٩٢