والأنصار من غير أهل بدر : قم يا فلان ، وأنت يا فلان ، فلم يزل يقيمهم بعدّة النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والأنصار أهل بدر ، فشقّ ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) الكراهة في وجوههم ، فقال المنافقون : ألستم تزعمون أنّ صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟ والله ما رأيناه قد عدل على هؤلاء. إنّ قوما أخذوا مجالسهم ، وأحبّوا القرب من نبيّهم ، فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه! ... فبلغنا أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : «رحم الله رجلا يفسح لأخيه» فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعا فيفسح القوم لإخوانهم (١)
وفي كتاب الإحتجاج للطبرسي روي عن الحسن العسكري (عليه السلام) أنّه : اتصل بأبي الحسن عليّ بن محمد العسكري (عليه السلام) أنّ رجلا من فقهاء شيعته كلّم بعض النصّاب فأفحمه بحجته حتى أبان عن فضيحته ، فدخل على عليّ بن محمد (عليه السلام) وفي صدر مجلسه دست عظيم منصوب وهو قاعد خارج الدست ، وبحضرته خلق من العلويين وبني هاشم ، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست ، وأقبل عليه ، فاشتد ذلك على أولئك الأشراف ، فأمّا العلويون فأجّلوه عن العتاب ، وأمّا الهاشميون فقال له شيخهم : يا بن رسول الله! هكذا تؤثر عاميّا على سادات بني هاشم من الطالبيين والعباسيين؟ فقال (عليه السلام): «إيّاكم وأن تكونوا من الذين قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أترضون بكتاب الله عز وجلّ حكما؟» قالوا بلى : قال : أليس الله يقول : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ» .. إلى قوله : (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) فلم يرض للعالم المؤمن إلّا أن يرفع على
__________________
(١) في ظلال / ج ١ ص ١٩