ظاهر بأسمائه وصفاته وتجلّياته في الوجود ، تدرك ذلك حواس الإنسان ، ويراه قلبه وعقله ، وهو باطن بذاته التي لا يعلم كنهها أحد من خلقه ، ولكنّ ذلك لا يعني انّه غائب عن الخلق ، بل انّه نافذ علمه الى أعماق كلّ شيء.
(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
سعة علمه كسعة قدرته ، وتكفي هذه الآية تحسيسا للإنسان بشهود ربّه ، وردعا له عن اقتحام المعصية. وهناك صلة بين الآيتين (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) بالآية (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فالعزّة بالقدرة المطلقة ، والحكمة بالعلم المطلق ، الذي هو أبرز جوانبها ومقوّماتها ، وربنا بعلمه يقدّر ويقضي ، وبقدرته يمضي ما قضاه.
وقد وردت بعض الاخبار في تفسير هذه الآية الكريمة تزيدنا بصيرة بها. ذكر المفسّرون دعاء عن النبي (ص) اعتبروه تفسيرا للآية ، وهو قوله : «اللهمّ أنت الاول فليس قبلك شيء ، وأنت الاخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنّا الدين ، وأغننا من الفقر» (١).
وروي عن الامام الرضا (ع) وهو يبين ان الكلمات تشترك بيننا وبين ربّنا اشتراكا لفظيّا لا معنويّا ، ويستعرض بعض أسماء الله التي تختلف معانيها عمّا يوجد عندنا من أمثالها ، الى أن قال في معنى الظاهر والباطن :
«وأمّا الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنّم لذراها ، ولكنّ ذلك لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها ، كقول الرجل :
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ / ص ٢٣٤