وقال أبو يعفور : سألت الامام الصادق (ع) عن قول الله عز وجل : «الاول والآخر» وقلنا : أمّا الاول فقد عرفناه ، وأمّا الآخر فبيّن لنا تفسيره؟ فقال : «إنّه ليس شيء إلّا يبدأ ويتغيّر أو يدخله التغير والزوال ، وينتقل من لون إلى لون ، ومن هيئة الى هيئة ، ومن صفة الى صفة ، ومن زيادة الى نقصان ، ومن نقصان الى زيادة ، إلا رب العالمين ، فانّه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة ، وهو الاول قبل كل شيء ، وهو الاخر على ما لم يزل ، ولا تختلف عليه الصفات والأسماء ، كما تختلف على غيره مثل الإنسان الذي يكون ترابا مرة ومرة لحما ودما ومرة رفاتا ورميما ، وكالبسر الذي يكون مرة بلحا ومرة بسرا ومرة رطبا ومرة تمرا ، فتتبدّل عليه الأسماء والصفات ، والله عزّ وجل بخلاف ذلك» (١).
[٤] (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)
فالخلق آية على عزّته وقدرته ، والتقدير «في ستة أيام» آية لعلمه وحكمته ، ومرة أخرى نطرح هذا التساؤل : لماذا خلقهما في ستة أيام ، وهو القادر على خلقهما في أقلّ من لحظة «وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ»؟ قد سبق في سورة الأعراف بأن ذلك قد يدلّ على سنّة التكامل في الخليقة حيث يبارك الله فيها وينمّيها طورا فطورا ، يوما فيوما ، لحظة بلحظة ، مما يجعل لعامل الزمن تأثيرا كبيرا في العالم ، بتعبير آخر : الأيام الستة هي ظرف المخلوق ، ولا بد أن نعرف المخلوقات من خلال ظرفها الزمني حيث نستلهم ذلك من قوله سبحانه «ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى» (٢) مما يوحي بأنّ الأجل المسمى مساوق للحق في أنّه جزء من حقيقته ، والله العالم.
__________________
(١) المصدر / ص ٢٣٢
(٢) الروم / ٨