كما أنّ خلق السموات والأرض في ستة أيام أصدق دلالة وأوضح شهادة على التقدير والتدبير ، وفي ذلك تفنيد لشبهة القائلين بالصدفة ، فان كان أصل الوجود صدفة فكيف يكون تدبير أمرها وتكميل مسيرتها صدفة؟! وبتعبير آخر : عملية الخلق مستمرة وهي شاهدة على الخالق سبحانه.
وربنا حيث خلق الخلق لم يعتزله أو يتركه سدى ، إنّما جعله تحت تدبيره ورعايته ، بلى. لقد أركز فيه سننا وأنظمة حاكمة ، بل وقدر فيه كل شيء من قبل أن يبرأه ، ولكن كانت له اليد العليا والبداء ، لحاجة الخلق إليه ، ولان كل شيء وحتى القوانين والسنن لا يقوم إلا به تعالى ، وهكذا استوى على العرش.
(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ)
وهو رمز القدرة والملك والتدبير ، يحمله أربعة من الملائكة المقربين ، واليه يستوي الملائكة يتلقون أوامر الله لهم ، واستواء الله عليه يعني سلطته ، وانه يهيمن على الخليقة ويدبّرها ، ولكن ليس تدبيرا اعتباطيا ، بل حكيما قائما على أساس علمه بكل شيء.
(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها)
و «ما» تدل على الإطلاق ، أي كلّ شيء يلج في الأرض من الغيث والاشعة والمواد ، وكذلك كلّ شيء يخرج منها من النبات ، وكذلك كلّ شيء ينزل من السماء أو يصعد إليها من ملائكة الله وأعمال العباد.
(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ)