في بر أو بحر ، ظاهرين أو مستورين ، كما قال «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (١) وربنا ليس فقط عليم بظاهر خلقه ، بل هو بصير أيضا بباطنهم ، ينفذ علمه الى لطائف الأمور ومغيباتها.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
يعلم ظاهر العمل ، كما يبصر صاحبه ، ويعلم الدوافع الحقيقية عنده ، فقد يكون ظاهره الصلاح ولكنّ باطنه الرياء وحبّ الشهرة والمصلحة ، ويكفي بهذه الآية أن تدفعنا إلى المزيد من العمل الصالح ، والسعي نحو المزيد من الإخلاص والإنفاق ، فان مصائرنا رهينة أعمالنا ، وناقد أعمالنا بصير بصير. نعم. قد نخدم الناس أو نخدع أنفسنا بمظاهرنا وحسن أعمالنا ، ولكن هل نخدع الله؟! كلّا ..
[٥ ـ ٦] وهذه الآيات تعتبر تمهيدا للحديث عن الإنفاق ، لأنها تعرفنا ربنا عز وجل من خلال صفاته الحسنى ، ومنها الغنى ، فهو حين يدعونا الى الإنفاق فليس ليربح علينا بل لنربح عليه ، إذ لا يزيده إنفاقنا شيئا.
(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
فما عسى أن يزيد إنفاقنا في ملكه؟! بل إنفاقنا لا يكون إلّا في جزء من ملكه استخلفنا فيه ، فهو أما من الأرض ، أو من السماء ، والمالك الحقيقي هو الذي خلقهما ، ثم ان ظاهر الأمور بأيدينا مما يوحي بأننا نملك ناصيتها ، إلّا أنّ واقعها بيد الله فإليه ترجع الأمور ، وكم يدبّر العبد أمرا ينقضه تدبير الله؟ وكم يقدر شيئا يقيله
__________________
(١) المجادلة / ٧