ثم يضع القرآن صورة ثانية عن طبيعة العلاقة الداخلية في جبهة الباطل ، ويؤكد لنا بأنها قد تتراءى للمراقب الخارجي بأنها جبهة متماسكة إلّا أنّها تفتقر لأهم عوامل الوحدة والتماسك وهي وحدة القلوب ، والسبب هو اتباعهم الباطل والأهواء والمصالح ، ونبذهم الحق المتمثل في الرسالة وهدى العقل ، وكل ذلك فان الإنسان لا يجد دوافع حقيقية للتضحية والتفاني من أجله ، ولهذا فإن جبهة الباطل تضعف وتتمزق بمجرد تعرضها للتحديات الحقيقية ، وقد رأينا كيف استسلم بنو النضير من دون قتال ، وكيف تنصّل المنافقون عن نصرتهم رغم العهود والأيمان المغلظة بينهما ، وهكذا هي العلاقة بين أهل الباطل (أفرادا وجماعات ودولا) يتناصرون ما دامت ثمّة مصلحة مشتركة ، أما إذا انعدمت أو وجدت في مكان وموقف آخر فإنهم يميلون حيثما تميل ، وهي بالضبط تشبه العلاقة بين الشيطان وبين آدم ، حميمة ما دامت للشيطان مصلحة فيه ، أما إذا آن عذاب الله فكأنه لا يعرفه «فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ».
بيّنات من الآيات :
[٩] بعد ان مكث النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ في المدينة واستتب له الأمر تقرر في الحركة الرسالية المباركة ان يهاجر المؤمنون من مكة إليها ، وحيث تواردوا أفواجا استقبلهم الأنصار وأوسعوا لهم صدورهم ودورهم ، وتقاسموا معهم الأموال وحتى الأزواج ، ولكن الخط المنافق من أهل المدينة وغيرهم ما كان يرضيهم أن يحتضن الأنصار المهاجرين ، فلما أجلى المسلمون اليهود وقرر الرسول القائد (ص) أن يعطي الفيء للمهاجرين طفحت أحقادهم ، واتخذوا الأمر فرصة سانحة ليلعبوا دورهم الخبيث ، فمشوا في الصفوف بالشائعات ليضربوا زعامة النبي (ص) الذي يكنّون له الحقد الدفين باعتباره لم يكن من أهل المدينة ، وذلك بالتشكيك في سلامة نيّته ، حيث اتهموه بأنه انحاز لقومه (المهاجرين) على حساب الأنصار ، ومن جهة