لوجه الله ، والمؤمن الصادق هو الذي يقدم نفسه للخطر ليسلم الآخرون ، ويؤخرها عند المكاسب ليغنموا. أوليس يبحث عن القمّة السامقة من الإيمان والفلاح التي تتمثل في الإيثار؟ بلى. وهو لا يقيم وزنا لحطام الدنيا حتى يتقاتل عليه أو ينفرد به.
والأنصار ليس أحبوا إخوانهم المهاجرين ، وتطهروا من الحسد تجاههم ، بل وآثروهم على أنفسهم ، ووصلوا من الإيثار سنامه ، حينما تنازلوا عن حظهم من القسمة رغم حاجتهم الشديدة.
(وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ)
فهم لم يجعلوا عوزهم وحاجتهم الشديدة تبريرا لترك الإيثار ، وقد اهتم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ببيان فضيلة الإيثار ، والدعوة إليها ، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : «خياركم سمحاؤكم ، وشراركم بخلاؤكم ، ومن صالح الأعمال البرّ بالإخوان ، والسعي في حوائجهم ، وفي ذلك مرغمة الشيطان ، وتزحزح عن النيران ، ودخول الجنان. يا جميل! أخبر بهذا الحديث غرر أصحابك ، قال : قلت جعلت فداك من غرر أصحابي؟ قال : هم البارون بالإخوان في العسر واليسر ، ثم قال : يا جميل! ان صاحب الكثير يهون عليه ، وقد مدح الله عزّ وجلّ صاحب القليل ، فقال : «وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»» (١).
وجاء في حديث آخر مأثور عن الإمام الصادق (عليه السلام) فيما رواه عنه أبان بن تغلب قال : سألته فقلت : اخبرني عن حق المؤمن على المؤمن؟ فقال : «يا أبان! دعه لا ترده» قلت : بلى. ـ جعلت فداك ـ فلم أزل أرد عليه ، فقال :
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٨٦