يا أبان تقاسمه شطر مالك. ثم نظر الي فرأى ما دخلني ، فقال : «يا أبان! أما تعلم أن الله عزّ وجلّ قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟» قلت : بلى. ـ جعلت فداك ـ فقال : «اما إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد إنما أنت وهو سواء ، إنما تؤثره إذا أعطيته من النصف» (١).
وقد حفل تاريخ صدر الإسلام بمصاديق رائعة للإيثار ، أحدها إيثار الأنصار للمجاهدين على أنفسهم ، والآخر أولئك النفر السبعة من مجاريح المؤمنين في اليرموك ، الذين حمل إليهم الماء فكان واحدهم يؤثر إخوانه على نفسه رغم الظمأ الذي يحس به المحتضر حتى استشهدوا عن آخرهم عطاشا ، وقد روى أبو حمزة قال : جاء رجل الى النبي (صلّى الله عليه وآله) فشكا اليه الجوع ، فبعث الرسول (صلّى الله عليه وآله) الى بيوت أزواجه ، فقلن : ما عندنا إلا الماء ، فقال الرسول (صلّى الله عليه وآله) : «من لهذا الرجل الليلة؟» فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : «انا له يا رسول الله» وأتى فاطمة (عليها السلام) فقال لها : «ما عندك يا ابنة رسول الله؟» فقالت : «ما عندنا الّا قوت العشية لكنّا نؤثر ضيفنا» فقال (عليه السلام) : «يا ابنة محمد! نوّمي الصبية واطفئي المصباح» (٢)
وجاء في حديث آخر أن رجلا جاء الى النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال : أطعمني ، فاني جائع ، فبعث إلى أهله فلم يكن عندهم شيء ، فقال : «من يضيّفه هذه الليلة؟» فأضافه رجل من الأنصار وأتى به منزله ، ولم يكن عنده إلّا قوت صبية له ، فأتوا بذلك اليه وأطفئوا السراج وقامت المرأة الى الصبية فعلّلتهم حتى ناموا ، وجعلا يمضغان ألسنتهما لضيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فظن الضّيف أنهما يأكلان معه حتى شبع الضّيف ، وباتا طاويين ، فلما أصبحا غدوا الى
__________________
(١) المصدر / ص ٢٨٧
(٢) المصدر / ص ٢٨٦