بالرغم من تظاهرهم بالأخوة للمؤمنين ، وليس إخوتهم كل أهل الكتاب ففيهم المؤمنون ، انما إخوانهم الكافرون والمشركون منهم ، وجزء من مسيرة النفاق تربّص أهله الدوائر بالمؤمنين بحثا عن المصلحة التي لا تتحقق بسيادة الحق وأتباعه المخلصين ، لذلك ارتأى المنافقون وقد بدت علامات الحرب بين بني النضير والمسلمين أن يؤججوا الصّراع طمعا في انتصار الباطل ، وصعودهم داخليّا الى سدة الحكم ، أولا أقل تجنبهم المخاطر المترتبة على هزيمة المؤمنين لو حسبهم أولئك منهم ، ولكنهم ـ وهذا ديدنهم في كل زمان ومكان ـ لم يضعوا البيض كله في سلة اليهود ، انما وضعوا احتمال هزيمتهم فخططوا ومكروا على أساسه بأن تبقى تحالفاتهم مخفيّة ، حتى لو انهزموا لا يفقدون كلّ شيء بين المسلمين المنتصرين ، فراحوا يتسللون لهم فرادى وجماعات ، ويكاتبونهم مؤكدين :
(لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ)
اي لو قرر المسلمون إخراجكم فسنخرج ، ومصيرنا وإياكم واحد على كلّ حال ، ولعل في الآية اشارة إلى أن مصير المنافقين ووجودهم مرهون بدعم القوى الخارجية بحيث لا يبقى لهم كيان ولا مبرر وجود من دونها ، ويؤكدون لهم صدق موقفهم ، ويحرّضونهم بصورة أكبر ببيان استعدادهم للتمرد الدائم على قرارات القيادة الرسالية ودعوة إخوانهم لو أنهم حاولوا دفعهم الى الوقوف ضد اليهود.
(وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً)
أي لن يستجيبوا لدعوة المحاربة ضدهم مهما كان الداعي ، وأنى كانت صورة الدعوة ، وأن هذا الأمر من الثوابت التي لن تتغير ، وحيث يؤكدون لليهود هذا الأمر بالذات فلأنهم يعلمون مدى طاعة المؤمنين لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) يومئذ ، وان هؤلاء ربما تتغير مواقفهم لسبب ما.