فان ذلك لا يعني أنهم متوحدون ، فانك لو فتشت قلوبهم وقلبت آراءهم لوجدتها متفرقة ومتناقضة ، بل لوجدتهم متناحرين في كثير من الأحيان ، والسبب انهم لا يدورون على محور واحد ، ولا يسعون نحو هدف واحد كما يدور المؤمنون مع الحق أينما دار ، ويستهدفون إقامة الحق في الأرض. وأساسا الفرق بين الحق والمصالح : هو أن الحق واحد ، بينما الأهواء والمصالح تتناقض وتعود الى صراعات داخلية جذرية ودائمة.
(بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ)
أي أنهم يعادون بعضهم عداوة شديدة ، حتى أنهم يقتلون بعضهم بشدة ، وهذه صفة معروفة عن اليهود ، وقيل معناه : أنهم حينما يتحدثون بينهم يتظاهرون بالشدّة ، ويكيلون الوعيد على أعدائهم ، بينما قلوبهم خاوية من الشجاعة. والمعنى الأول أقرب الى السياق. لقوله سبحانه :
(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً)
متحدين ، كما يتظاهرون بذلك أو يظهره اعلامهم.
(وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)
متباينة ، وان الاختلاف الجذري والحقيقي هو الذي يبدأ من القلوب المتشتتة.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)
أي لأنهم لا يتبعون هدى العقل والّا لتوحدوا ، لأن الحقائق التي تهدي إليها العقول السليمة المجردة واحدة في كل زمان ومكان ولدي كل الناس ، وقد اتبعوا الباطل الذي لا يتفق معه الناس ، فتفرقوا وتشتتوا ، ولو كانوا يتبعون العقل لقادهم